جولة ماكرون الأفريقية.. التوقيت والأهداف
هيفاء علي
عكست جولة ماكرون الأفريقية الأخيرة، التي قصد فيها ثلاث دول في غرب أفريقيا، سعيه لإعادة إحياء علاقة فرنسا مع القارة الغنية بالموارد، أمام ما اعتبره تنامي الحضور الروسي والصيني، كما سعى إلى تسويق استراتيجية باريس الجديدة في القارة الأفريقية، والتي من المزمع إزاحة الستار عنها في أيلول المقبل، وفقاً لمصادر دبلوماسية.
وحول توقيت الزيارة، أشار مراقبون إلى قلق فرنسا إزاء ظهور قوى أخرى تسعى إلى موطئ قدم في منطقة لا تزال تعتبرها أجزاء من مجال نفوذها، ولاسيما تركيا والصين وروسيا. وبالتالي، جاء ماكرون ساعياً إلى الضغط على الدول الأفريقية لثنيها عن ترسيخ علاقاتها مع روسيا والصين، ولكن دون جدوى.
ليس هذا فحسب، بل إن الحديث يدور الآن عن تحركات لماكرون في وقت يتراجع فيه نفوذ فرنسا أمام الصين والهند وألمانيا، وخاصة في القطاعين الاقتصادي والتجاري. وفي غضون ذلك، أصرّ ماكرون على أن الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة سيتكيّف بدلاً من أن يختفي بمجرد اكتمال الانسحاب من مالي. وسبق أن أعلن ماكرون أن إعادة التفكير في الوجود الفرنسي ستكتمل بحلول الخريف القادم، مؤكداً أن الجيش يجب أن يكون “أقل انكشافاً” في المستقبل، لكن انتشاره لا يزال “ضرورة استراتيجية”. ويأتي الانسحاب الفرنسي من مالي بعد انهيار العلاقات مع المجلس العسكري الحاكم في البلاد، والذي تتهمه الدول الغربية بالاعتماد على مرتزقة أجانب بدلاً من الحلفاء الأوروبيين لمحاربة الإرهابيين.
ويرى محلّلون أن روسيا نجحت في إعادة تنشيط العلاقات القديمة التي تعود إلى الحقبة السوفييتية منذ وقت كان يُنظر فيه إلى موسكو على أنها أكثر تعاطفاً من العديد من العواصم الغربية مع قضية صراعات التحرّر في أفريقيا، بينما وجدت الدول الأفريقية ضالتها بين يدي الصين، فرغم المساعدات الأوروبية الضخمة للقارة السمراء على مدار عقود مضت، إلا أن بكين أظهرت بين عامي 2007 و2020 نشاطات استثمارية ضخمة تمثلت في مشروعات البنية التحية في القارة جعلتها أكثر نفوذاً، وهو ما يقلق الفرنسيين ويسعون حالياً لتغييره.
ولا تقتصر مخاوف باريس على روسيا والصين، بل إن نيودلهي وبرلين تقومان بجهد في القطاعين الاقتصادي والتجاري في القارة. وفي معرض تعليقها على جولة ماكرون، أشارت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إلى أن ماكرون “يهدف إلى إحياء العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين التي تتراجع”، مشيرةً إلى أن النفوذ الفرنسي في أفريقيا يتآكل تدريجياً، ولاسيما على المستويين الاقتصادي والتجاري في مواجهة الصين والهند وألمانيا، كاشفةً أن حجم الشركات الفرنسية في الاقتصاد الأفريقي حالياً يبلغ نحو 10 في المائة، مقارنة بـ40 في المائة في التسعينيات.
يُذكر أن الانقلابات العسكرية في مالي، وتشاد، وبوركينا فاسو أضعفت تحالفات فرنسا في تلك الدول، وحدّت من النفوذ الفرنسي بشكل أكبر. وفي الأول من شهر حزيران الماضي، أعلنت فرنسا، انتهاء انتشار قوة “تاكوبا” في مالي والتي تضمّ قوات أوروبية.