المشهد الرياضي اليوم …
البعث الأسبوعية- ناصر النجار
الواقع الرياضي لا يبشر بالخير مطلقاً، والقادمات قد تكون أسوأ عما نجده الآن، وأسوأ مما نحصده من نتائج في الكثير من الألعاب، حيث لم تكن النتائج الحالية وليدة اليوم أو الساعة، بل هي حصيلة سنوات من العمل غير المدروس الذي افتقد إلى المنهج العلمي والدراسة الصحيحة، فغلبت على رياضتنا الفوضى والعشوائية، وزاد منها الأنا الشخصية التي استفحلت، ونضيف إليها المصالح الشخصية التي تضخمت وصارت سرطاناً ينتشر في كل مفاصل الرياضة وأركانها.
وفي استعراض النتائج التي تحققها فرقنا في الخارج نجد أن المستور قد انكشف، وأن هذه الدورات والمشاركات صغيرها وكبيرها عرت رياضتنا تماماً وأظهرت حقيقتها.
ولا داعي لكل المبررات المصطنعة التي لم تعد تنطلي على أحد، ولا داعي لإتحافنا بإنجازات وهمية لم تعد خافية على أحد، فكل الحقائق باتت واضحة.
المشكلة أن القائمين على الرياضة أكثر ما يخشونه هو المنصب، ومن مبدأ الحفاظ على الكرسي (صغير أو كبير) نجد أن هؤلاء يتسلحون بميدالية خلبية في بطولات خالية من الدسم أو يحتمون بطفرة رياضية حققت قفزة بجهدها وموهبتها، وهذا أكبر همهم ومبلغ أملهم.
والحقيقة التي بتنا مؤمنين بها ومقتنعين فيها أن فاقد الشيء لا يعطيه، لذلك لن تقوم لرياضتنا قائمة، ولن تتقدم قيد أنملة ما دامت عقليتنا الرياضية قاصرة وعاجزة عن إيجاد الحلول.
فمن المعيب أن نشعر أن ما حققناه بدورة المتوسط يدل على أن رياضتنا بخير، وبغض النظر عن الطفرات القليلة من ثلاثة لاعبين فقط، (ونحن نستثني اتحاد الفروسية) فإنه لا يمكن أن نختصر رياضتنا بقلة من لاعبين من أصل أكثر من عشرة آلاف لاعب، ومن حقنا أن نسأل: أين هؤلاء اللاعبين؟ أين رياضتنا الأنثوية؟ أين المواهب والخامات؟
زمن الهواية
من خلال استعراض تاريخ الرياضة الأنثوية لا نجد إلا غادة شعاع على طول العقود الماضية، فهل هذا يدل على أن رياضتنا تسير على الطريق الصحيح؟،
وإذا استعرضنا أسماء من حقق الإنجاز منذ نشأت الرياضة حتى الآن عبر سبعين عاماً مضت فلن نجد أكثر من خمسين اسما يمكن أن نرفع لهم القبعات احتراماً وتقديراً، علماً أن أغلب هؤلاء المبرزين عاشوا زمن الهواية وزمن الولاء الحقيقي للرياضة وزمن العشق الرياضي المخلص.
في زمن الهواية كنا أسياد العرب بالكثير من الألعاب وعلى الأقل كنا في صف واحد مع مصر والمغرب وتونس والجزائر والعراق نمتاز عليهم ببعض الألعاب ويمتازون علينا بألعاب أخرى، وفي أسوأ الحالات لم نخرج بأي مشاركة عربية رسمية عن ثالث الترتيب.
كنا أسياد المنطقة فدول الجوار كانت تخشى لقاءنا، وكنا نرسل كوادرنا إلى الخليج لنعلمهم المبادئ في الكثير من الألعاب الرياضية.
اليوم صارت فلسطين والأردن ولبنان والعراق تتغلب علينا بكل الألعاب أما دول الخليج فصار الوصول إلى مستواها بالعديد من الألعاب ضرباً من المستحيل.
في كرة القدم خسرنا مع الأردن ولبنان وفلسطين والعراق وموريتانيا وغيرها في الرجال وكذلك ببقية الفئات، وما زلنا نتغنى بالفوز على تونس!
وفي كرة السلة ذقنا الأمرين، وفي الطائرة خسائر بالجملة، والقائمة تطول، ثم تجد من يسير عكس الاتجاه ليقول: فزنا ببطولة غرب آسيا بألعاب القوى للشباب والشابات، والأرقام في هذه البطولة مخجلة ومستويات المشاركين متدنية، فهل هذه البطولة كانت مقياساً لنجاح العمل الرياضي أم هي وَهْمٌ نعيش عليه ونداري به إخفاقنا؟
حتى السباحون الذين يحطمون الأرقام القياسية السورية في البطولات الخارجية لا نجد أنها مقياساً لأنها بعيدة كل البعد عن الأرقام العربية، وكما نلاحظ أن سباحتنا تغرق في المشاركات الرسمية وهو دليل على أننا بعيدون كل البعد في هذه الرياضة عن الأحواض العربية والآسيوية.
وعندما يكون لدينا موهبة بكرة الطاولة (هند ظاظا) فلا يعني إغراقها في بطولات غرب آسيا والبطولات التي على الشاكلة تلك، والمفترض أن يتم صقلها ببطولات أقوى، ولا نرى مشكلة لو شاركت في المتوسط على سبيل الاحتكاك والاستعداد بغض النظر عن النتائج قبول دعوات الصين وغيرها من الدول ليتم تأهيلها وصقلها، ونحن نعلم تماماً أنه هناك دعوة من الصين وأخرى من النمسا لهند ولا ندري لماذا لم يتم إرسالها إلى هناك وخصوصاً إلى الصين المتقدمة في اللعبة عالمياً.
صناعة البطل
المشكلة الحقيقية تكمن في العقلية التي تدير الرياضة بكل مفاصلها، وهنا نجد أن كل المؤسسات تدار حسب فكر من يقودها لأن الاستراتيجية مغيبة عن العمل تماماً، ولنا خير مثال في أنديتنا، فكل رئيس ناد يقود ناديه حسب هواه، لدرجة أن العمل منقطع ومبتور لأن كل رئيس ناد يلغي عمل من سبقه ولا يتابع ما أنجزه الآخرين، فلكل عمل إيجابيات وسلبيات، والمفترض بالقادمين الجدد أن يدعموا الإيجابيات وأن يتغلبوا على السلبيات، لكن ذلك لم يحدث في أي ناد، ولهذا كنا وما زلنا متأخرين عن الركب الرياضي، والاتحادات الرياضية على الشاكلة ذاتها، وضمن ذلك فقس طولاً وعرضاً.
بصراحة نحن نعرف كيف يتم تأهيل الأبطال وصناعتهم، ولكننا لا نسلك الطريق المستقيم لأسباب متعددة، منها شخصي ومتعلق بالأنا، ومنها عدم الجدية والاهتمام، ومنها عدم التخطيط السليم.
ما يدل على عدم التخطيط السليم حالة الفوضى والاضطراب في كل المؤسسات الرياضية ولا أدلّ على ذلك إلا توالي التغيير والتبديل في إدارة هذه المؤسسات بمناسبة وبغير مناسبة، وتعيين أصحاب الولاء في أماكن ليسوا أهلاً لها، ونسف مقولة الرجل المناسب في المكان المناسب، لذلك خسرنا مع حالة الفوضى الممنهجة الكثير من الخبرات الرياضية القادرة على صناعة الأبطال.
وأمام كثرة التغييرات نستغرب (على سبيل المثال) الحصانة التي يتمتع بها اتحاد الريشة الطائرة، مع العلم أن هذه اللعبة (المدعومة) بكل وسائل الدعم لم تقدم للرياضة أي شيء، بل عملت على هدم اللعبة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً دون أن تتعرض للمحاسبة أو السؤال على أقل تقدير، والغريب أن هذه اللعبة حصلت على استعداد خارجي يوازي استعداد المصارعة والملاكمة وأقامت معسكراً مغلقاً في روسيا طويل الأمد كلف عشرات الآلاف من الدولارات ومع ذلك لم تشارك في دورة المتوسط!
وقيل لنا عن سبب ذلك: إن المشاركة في المتوسط سيكشف مستور اللعبة، وهذا الأمر يتناقض تماماً مع المبادئ الأساسية للرياضة، ففي الرياضة فائز واحد، لكن في المشاركة فوائد أكثر من تحقيق البطولات، لأن البطولة تبدأ بالتحضير والمشاركات ليكتسب اللاعب الخبرة وجو البطولة وضغط المنافسة، وما حصل مع كل لاعبينا الذين لم يحققوا النتائج في المتوسط أنهم حصلوا على جرعة احتكاك قوية ونالوا خبرة افتقدوها ولو كانوا مكتنزين للخبرة عبر المشاركات القوية في السنوات الماضية لما خرج مصارعونا وملاكمونا وكذلك بقية اللاعبين في الجودو والجمباز دون تتويج أو ميدالية، لذلك كان من المفروض مشاركة الريشة الطائرة على سبيل الفائدة وليس الإنجاز، وعلى الأقل نشعر أن فترة التحضير الأولى لم تذهب سدى وأن العملة الصعبة التي أنفقت على الريشة الطائرة لم تذهب سدى.
وسمعنا من بعض اللاعبين بعد عودتهم من روسيا أنهم لم يتمرنوا أي تمرين وضاع الجهد الذي بذل والمال الذي صرف سدى.
تجاوز الأزمات
البطولة الحقيقية هي بتجاوز الصعوبات والعقبات والقفز فوق العثرات، وتحويل الإمكانيات المتاحة إلى إمكانيات جيدة، وهذا ما نتمنى فعله من القائمين على الرياضة.
العذر بالعقوبات والأزمة لم يعد مجدياً وهو غير مقبول، لأننا إذا بقينا نختبئ خلف هذه الأعذار دون إيجاد الحلول فرياضتنا لن تحقق شيئاً وكل ما يتم الوعد به كلام فارغ.
هنالك الكثير من الحلول الواضحة والصريحة، لكن الفكر الذي نقود به الرياضة لا يوصل إلى هذه الآمال والأحلام.
على الصعيد المالي (مثلاً) نجد أن كرة القدم ومثلها كرة السلة تنفقان سنوياً المليارات، وهاتان اللعبتان لم تحققا للرياضة أي شيء، بل زادت من انتكاستها وتعاستها، ولو عرفنا كيف نوظف المال لخدمة الرياضة بدلاً من خدمة الأشخاص لحصلنا على أقل تقدير على بصيص أمل برياضة سورية قادمة.
يقولون بأن رياضتنا ولادة، فهل تنتظر ولادة غادة شعاع جديدة أو عهد جغيلي أو طلال النجار أو من في مستواهم من الأبطال؟
علينا أن نبحث عن المواهب والخامات والطاقات، وللأسف نجد أن هناك من يهدم هذه المواهب ويقضي عليها وهي في المهد، وما المشهد الأخير من اعتذار فرق الناشئين والأشبال والسيدات بكرتي القدم والسلة عن المشاركة في البطولات الرسمية وتقليص الكثير من النشاطات إلا دليل على أننا لا نملك فكراً رياضياً ولا خطة عمل ولا استراتيجية يمكن أن نبني عليها الرياضة.