دراساتصحيفة البعث

زيارة بيلوسي مجرد حيلة سياسية

عناية ناصر

أثارت زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى جزيرة تايوان مساء 2 آب استياءً دولياً كبيراً، مما أدى إلى دفع العلاقات الأمريكية الصينية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، وتجلّى ذلك في غضب وسائل الإعلام الصينية، بينما قلّلت وسائل الإعلام الأمريكية إلى حدّ كبير من أهمية الزيارة.

يتبع التناقض في تصور هذا الحدث من قبل وسائل الإعلام الأمريكية بشكل أو بآخر النمط نفسه لكيفية رؤية بيلوسي، والكونغرس بشكل عام، للحدث، على أنه مجرد حيلة سياسية لا أكثر، حيث تعتبر مثل هذه الأحداث الاستفزازية في السياسة الأمريكية أمراً شائعاً. ففي غضون بضعة أشهر فقط، سيواجه الحزب الديمقراطي بزعامة بيلوسي مصير حياته السياسية، ولذلك يحاول يائساً التمسّك بهوامش ضيّقة في مجلسي الكونغرس، لأن خسارة الأغلبية في مجلس النواب، على سبيل المثال، من شأنه أن ينزع بيلوسي من منصب المتحدث، ويفقدها أي نفوذ سياسي. ومن أجل المضي قدماً، يبذل السياسيون في الولايات المتحدة كلّ ما في وسعهم لتصدّر عناوين الأخبار الرئيسية.

هناك قول مفاده إن أي دعاية هي دعاية جيدة، فطالما أن الناس يتحدثون عن بيلوسي والحزب الديمقراطي، فيمكنهم أن يظلوا على صلة بالموضوع بأمل تعزيز مصداقيتهم أمام الناخبين في تشرين الثاني القادم.

على الرغم من أن وسائل الإعلام الأمريكية تصوّر الوضع على أن الصين هي المعتدي، إلا أن باقي العالم يرى بوضوح أن الولايات المتحدة هي مسبّب ومثير الفوضى، وهناك العديد من القضايا السياسية التي تجري في جميع أنحاء العالم في الوقت الحالي، بما في ذلك الصراع المستمر في أوكرانيا، والوضع فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي الدائم، والحرب على سورية، والحرب في اليمن، وغيرها الكثير، وكان القاسم المشترك فيها واشنطن. وفي حال وقوع صراع حول تايوان في آسيا فستتحمّل الولايات المتحدة عواقب ذلك نتيجة وجود خلل ثابت في السياسة الأمريكية بوضوح.

ويمنح دستور الولايات المتحدة بعض سلطات السياسة الخارجية لكلّ فرع من فروع الحكومة، على الأقل من حيث المبدأ، لكن من الناحية العملية، عزّزت السلطة التنفيذية سيطرتها شبه اللا محدودة على مسائل السياسة الخارجية، وبالتالي يمكن أن يكون للكونغرس الذي يتمتّع بمثل هذا التأثير الكبير على السياسة الخارجية تقويض المعايير السياسية الراسخة داخل الولايات المتحدة.

ومن المؤكد أن هناك بعض الشواهد على ذلك، فخلال فترة ولاية إدارة الرئيس باراك أوباما، حاول العديد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين تقويض السياسة الخارجية لإدارته، حيث ذهب السيناتور ليندسي جراهام، والسيناتور جون ماكين إلى المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون في سورية، والنازيون في أوكرانيا، وحثوا القوات الموالية للولايات المتحدة على مواصلة القتال. كما دعا الجمهوريون بشكل خاص رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو للتحدث إلى الكونغرس، وبالتالي إلى الشعب الأمريكي، حول برنامج إيران النووي على الرغم من عدم تلقيه دعوة من البيت الأبيض.

كانت هذه صفعة كبيرة في وجه السلطة التنفيذية، ومع ذلك فإن زيارة بيلوسي تتخطى هذا الحدّ، إذ قوّضت بشكل مباشر الأسس السياسية لأهم علاقة في السياسة العالمية، وهي العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. لذلك فإن ردّ فعل الصين المفهوم على زيارة بيلوسي الاستفزازية يعني أن فرص سوء التقدير التي قد تؤدي إلى حرب صريحة بين القوتين العظميين الرئيسيتين هي تقويض للأمن العالمي.