في كل عام تصنيف جامعاتنا عالمياً يثير أكثر من سؤال! كيف تتقدم ولماذا تتراجع وما هي مقومات ومعايير التصنيف؟
البعث الأسبوعية – غسان فطوم
عادة ما تخرج نتائج تصنيفات الجامعات وترتيبها عالمياً على اختلاف مسمياتها في مثل هذه الأيام (أواخر تموز وأول آب)، وبالنسبة لجامعاتنا في كل مرة يكثر حولها القيل والقال نتيجة تذبذب مستواها في الارتفاع والانخفاض على سلم التصنيف، فبحسب آخر التصنيفات هناك خمس جامعات حكومية تتقدم واثنتان تتراجع، حيث حلت جامعة دمشق في المرتبة الأولى على الجامعات السورية في نسخة تموز للعام 2022 من تصنيف ويبومتركس، تلتها جامعة تشرين، ثم جامعة حلب، ثم جامعة البعث، وبعدها جامعة حماه، ثم جامعة طرطوس ، وأخيرا جامعة الفرات .
هذا الموضوع كان وما زال حديث المواقع الإلكترونية المتنوعة، وصفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالجامعات، وغيرها، وبحسب “دكاترة الجامعات السورية” أن حصول جامعة دمشق على المرتبة الأولى لا يعني أنها تتقدم، فقد تراجعت الجامعة على 319 جامعة على المستوى العالمي مقابل تقدم جامعة تشرين 418 جامعة ، وتقدمت جامعة البعث 446 جامعة، وجامعة حلب تقدمت 36 جامعة، أما التقدم الأكبر فكان لجامعة طرطوس التي تقدمت 10343 جامعة ، وتلتها جامعة حماه التي تقدمت 1080 جامعة، أما جامعة الفرات فقد تراجعت عن 267 جامعة.
بالشكل لا بالمضمون!
هناك من يرى أن جامعاتنا تتقدم، ولكن بالشكل أكثر من المضمون، بمعنى أن محتوى مناهجها ومخرجاتها ما زالت ضعيفة في جزء كبير منها ولا تلبي حاجات ومتطلبات سوق العمل التي تغيرت عن ذي قبل، وفي نقاش مع أكثر من أستاذ جامعي عللوا السبب بالروتين في تعاملاتها منع طلبتها وأساتذتها وكامل هيكلها الإداري والنمطية في تأليف المناهج، وإتباع آلية لتطويرها تمشي كالسلحفاة، فالمناهج الحالية لا تعلم الطلبة الإبداع والابتكار أي لا تنمي قدراتهم العلمية، وبهذا الخصوص هناك من برى أن تنامي العلاقة بين التعليم والعمل، وبين العلوم الصرفة والتطبيقية ولّد توجهاً جاداً نحو تطوير المناهج، وبما يضمن تنمية قدرات ومهارات الطلبة ليكونوا أكثر قدرة على الإنتاج النوعي من خلال كفاءة أدائهم وقدرتهم على التكيف بسرعة مع متغيرات العصر.
وشدد آخرون من أساتذة الجامعة على المساءلة والمحاسبة الصارمة، فيما يتعلق بالأمور البحثية وصولاً إلى تطبيق نظام الاعتمادية، خاصة بعد أن كثر الحديث عن وجود رسائل ماجستير ودكتوراه تباع في مكاتب خاصة، ما يجعل البحث العلمي كأنه رفع عتب!.
وطالب بعض الأساتذة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وإدارات الجامعات بأن تهتم بالجودة الكاملة لكل مكونات العملية التعليمية من أجل الإيفاء بمتطلبات مجتمع المعرفة، من خلال التركيز على البرامج الأكاديمية في مجال علوم وتكنولوجيا الحاسبات والمعلومات والاتصالات التي تعد القاعدة الأساسية للمنافسة بقوة في الأقل في المحيط المجاور.
لا تتوفر أبسط الخدمات!
هناك من سأل: كيف ستتقدم جامعاتنا على سلم الترتيب إذا كانت أبسط الخدمات التي يحتاجها الباحث غير متوفرة؟، موضحة أن طلبة الدراسات العليا في مرحلة الدكتوراه لا يحصلون على سكن، ولكم أن تتخيلوا كيف لهذا الطالب أن ينتج بحثاً علمياً وفكره مشغول بأجرة البيت ومصاريف المواصلات ومتطلبات حياته اليومية!، مشيراً إلى تدني في مستوى رسائل الماجستير والدكتوراه لجان التحكيم وغيرها من أمور تؤثر بشكل كبير على تدني تصنيف الجامعات السورية.
ما زال يعاني!
فيما رأى أساتذة أن معاناة الجامعات السورية من المناهج القديمة وضعف البنية التحتية للبحث العلمي، وتهميش أصحاب الخبرة، سيبقى يشكل عائقاً أمام تحسين ترتيب الجامعات، كون هذه المنغصات تحد من قدرة الطلبة على الإبداع والابتكار، يضاف لها الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها البلد، مطالبين بإعادة النظر بأحوال تعليمنا العالي ودعم جناحيه (الأستاذ والطالب).
الجامعة توضح
بالإضافة إلى حصولها على المركز الأول في تصنيف ويبومتركس، أيضاً جاءت جامعة دمشق في المرتبة الأولى محلياً وفق تصنيف إيديو رانك “edurank” الألماني متفوقة على كل الجامعات السورية ولكن المعنيون في جامعة دمشق لا يعولون على هذا الموقع الإلماني كونه موقع موجه، أي بعكس التوجه الحيادي المعروف للجهات الأكاديمية، وذلك بحسب ما أفادنا به الدكتور غيث ورقوزق مدير البحث العلمي والدراسات العليا بجامعة دمشق، مشيراً إلى أن الجامعة تعتمد المواقع الأساسية التي تعتمدها كل جامعات العالم وهي ( موقع ويبومتركس، وموقع كيو إس رانكينغ، وموقع شنغهاي رانكينغ)، فهي مواقع اختصاصية رصينة وحيادية تعتمد في تقييمها للجامعات على أكثر من سبعة معايير، في كل معيار عام لها معايير مخصصة يعتمدونها في تصنيف الجامعات، وبيّن مدير البحث العلمي أن جامعة دمشق تضع خططها لتحسين موقع الجامعة وفق تلك المعايير العالمية، حيث شكلت لجنة لهذه الغاية مهمتها اقتراح الآليات والمشاريع التي تساهم في رفع التصنيف.
نعمل وفق الإمكانات
وردّ الدكتور ورقوزق على من ينتقدون الجامعة لجهة ما تقدمه للباحثين فيما يتعلق بالنشر الخارجي والإنفاق على البحث العلمي والمشاريع التطبيقية، بقوله “إن الجامعة تحترم كل الآراء ووجهات النظر، وهي تعمل كل ما بوسعها لتطوير البحث العلمي”، مشيراً إلى أنها أنفقت العام الماضي ما بين 150- 250 مليون ليرة لدعم بحوث الماجستير والدكتوراه، وبيّن أن هذا المبلغ غير كافٍ لكن هذه هي الإمكانات والمبالغ المخصصة من موازنة الجامعة للبحث العلمي، مؤكداً أن أي بحث يقدمه الطلبة سواء في درجة الماجستير أو الدكتوراه تعمل الجامعة على دعمه مادياً وتوفر للطالب البيئة المناسبة للقيام ببحثه من مخابر ومراجع وغير ذلك من مستلزمات البحث والعمل على نشره ليكون داعماً في تحسين تصيف الجامعة.
الخلاصة: جامعاتنا تحتاج لعمل شاق لتحسين ترتيبها، وهذا بلا شك يتطلب ثورة حقيقية تنسف كل المناهج القديمة، مع زيادة نسبة الإنفاق على البحث العلمي التطبيقي، ودعم الباحثين بكل ما يحتاجونه من مستلزمات لانجاز البحث ودعم وتسهيل النشر الخارجي، وطل ما يدعم تقوية المعايير والمقومات التي تقوي من حضورها عالمياً.