لم يعد العداء للصين مبطناً!
ريا خوري
لم تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية عن وضع العراقيل والحواجز أمام الصين كي لا يكون لها دور كبير في قيادة العالم، والآن نجدها من خلال العديد من العمليات الاستفزازية تمارس الدور نفسه الذي لعبته ضد روسيا في أوكرانيا لاستنزافهما، معتبرة أن الصين وروسيا تشكلان تهديداً استراتيجياً لها بعد تفردها بالقطبية العالمية على مدى عقود ثلاثة مضت.
لكن من الواضح أن جهود الولايات المتحدة ستفشل بلا شك، لأن روسيا والصين عملتا في الفترات الماضية على توطيد علاقاتهما الدولية، وتمديد أفق تواصلهما السياسي والاقتصادي مع العالم، وتنمية قوتيهما الاقتصادية والعسكرية بشكل كبير، بل أكدتا مراراً وتكراراً عزمهما على جعل العالم متعدّد الأقطاب، وهو ما لا ترغبه الولايات المتحدة. ولهذا نجد أن زعماء البيت الأبيض، بعد زمن طويل من حرب مبطنة ضدهما، لجأوا إلى إظهار العداء بوضوح ودون مراوغة، ومضاعفة دعم كيانات ودول وحتى تنظيمات محيطة بالدولتين لتحطيمهما بحروب استنزافية تساهم في تأخير صعودهما.
من تلك الاستفزازات كانت زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان، التي تعتبرها الصين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها. تلك الزيارة الاستفزازية تدخل في خانة تحدي الولايات المتحدة للصين، لكن كانت ردّة فعل قيادة الصين قوية عبر تنفيذ مناورات عسكرية نوعية باستخدام الذخيرة الحيّة المتطورة في المياه والمجال الجوي حول جزيرة تايوان، وكان إطلاق صاروخين باتجاه جزر “ماتسو” التايوانية مؤشراً قوياً على جدية الصين. كما جاء الردّ الصيني على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، حيث أوقفت الصين صادرات العديد من السلع والمواد الضرورية التي تحتاجها الصناعات الأمريكية، واستدعت السفير الأمريكي في بكين، حيث عبّر نائب وزير الخارجية الصيني شيه فيغ من خلال حديثه مع السفير الأمريكي نيكولاوس بيرنز عن احتجاج بلاده القوي على زيارة نانسي بيلوسي لتايوان، كما وجّهت وزارة الخارجية الصينية رسالة قوية تحذّر من تبعات الزيارة التي لا معنى لها سوى تحدٍّ صريح للصين واستفزازها والانتقاص من سيادتها، بل وصفت خطوة بيلوسي بأنها شنيعة للغاية وعواقبها وخيمة جداً، كما أكدت أنها لن تقف مكتوفة اليدين.
الجدير بالذكر أنّ نانسي بيلوسي التي التقت رئيسة تايوان تساي إنج وين، أكدت في حديثها أن الوفد الأمريكي جاء إلى تايوان كي يوضح بشكل لا لبس فيه أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن التزاماتها تجاه تايوان، ليكون هذا التصريح هجوماً دبلوماسياً وسياسياً على الصين، ووضوحاً أمريكياً في التعامل مع الصين كندٍّ لا بد من الضغط عليه وإخضاعه بأي طريقة كانت، كما يشكّل الحديث الذي أجرته بيلوسي استعراضاً هدفه إظهار قوة وسطوة الولايات المتحدة التي اهتزت أمام حلفائها بعد الانسحاب الأمريكي المذلّ من أفغانستان، والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
الثابتُ في هذا السياق، أن الولايات المتحدة تسعى إلى تحقيق مصالحها أولاً وأخيراً، حتى لو كانت على حساب أمن أصدقائها ومصالحهم، التي تقول إنها تدعمهم للوقوف ضد الصين، إذ ما الفائدة المرجوة من تحدي الصين واستفزازها، وهي القوة العظمى، سوى استفزازها، لأن نتائجها السلبية سترتدّ على تايوان نفسها التي ستكون في وجه الغضب الصيني، إذ لن يتوانى الجيش الصيني القوي جداً والعملاق الآسيوي في التخلص من هذا الصداع الذي دام سنوات عبر تنفيذ وعوده بإعادة الجزيرة إليه في أول فرصة متاحة لديه.
من الواضح تماماً أن ردة الفعل الصينية كانت محسوبة بشكل عقلاني وعملي ولم تنجرّ إلى حرب ستكون عواقبها وخيمة على الغرب الأمريكي والأوروبي حتى الآن، لكن أيضاً لا يمكن ضمان العملاق الصيني في كل مرة، إذ في لحظة فارقة قد يحدث ما لا تُحمد عقباه، فهل العالم مهيّأ لهذه اللحظة الحاسمة؟.