وهل وصلنا فعلاً إلى مرحلة … « مابعد الحرب » ؟؟.
د. مهدي دخل الله
أتابع باهتمام برنامج « مابعد الحرب » على الفضائية السورية ، الذي تقدمه الإعلامية المتميزة اليسار معلا التي تُضفي على البرنامج مناخاً مشوقاً بحِرَفيتها وقدرتها على « استيلاد الفكرة » من المتحاورين . لكن العنوان يثير لديَّ تساؤلاً قد يكون مجرد لزوم مالا يلزم ..
هل نحن فعلاً في مرحلة مابعد الحرب ؟.. أم أن هدف البرنامج التفاؤل والتبشير بما هو آتٍ لا محالة ؟.. قد يكون التفاؤل إيجابياً ، لكن محاولة الإيحاء بالقادم قد يسيء إلى شعور الرأي العام بالواقع الحالي ..
إن مجرد الإيحاء « بما بعد الحرب » يوهم المتلقي بأننا في حالة سلم واستقرار ، وهذه الحالة تسمح بالضغط على الدولة لتلبية مطالب لا يمكن تلبيتها عملياً إلا في حالة السلم الواقعية . يحق للمواطن ، مادمنا في « ما بعد الحرب » أن يطالب بأربعة وعشرين ساعة كهربا ، وبتوافر المواد الاستهلاكية ، وبإشباع السوق بما يلبي الحاجات …
صحيح أن المناطق الآمنة هي فعلاً آمنة بما يسمح بعودة « الحياة الطبيعية » في هذه المناطق ، لكن قسماً كبيراً من مدخلات الحياة الطبيعية موجودة في مناطق محتلة وخارج سلطة الدولة ، ناهيك عن الحصار الاقتصادي وحرب التجويع ، ونفقات الحرب الباهظة التي يُعد تحملها « إحدى المعجزات السورية الكبرى » …
ينبغي ألا ننسى حقيقة أن جيوش الناتو ، بما فيها الجيش التركي ، مازالت جاثمة على أرضنا وتسرق خيراتنا . أما الإرهاب فمازال مسلحاً ومدعوماً من جيوش الاحتلال ، ومازال الجولان محتلاً . وهناك إشكالات أمنية واضحة في الجنوب بوجه عام . لاشك في أننا وصلنا إلى مرحلة متقدمة جداً على سلّم التحرير ، ووضعنا اليوم أفضل نوعياً مما كنا عليه قبل ثلاث أو أربع سنوات ، لكن الحرب مازالت مستمرة ، وأصعب المراحل آخرها كما يعلّمنا منطق الحياة …
إن تكامل الأرض السورية تعني تكامل الوطن بما في ذلك عنصره البشري والاجتماعي والاقتصادي ، ولا يمكن الفصل في الحالة العامة بين منطقة « خارج الحرب » ومنطقة « داخل الحرب » …
وقد تحتج السيدة اليسار ، صاحبة البرنامج ، مؤكدة أن المضمون يتعلق بالحرب وإشكالاتها . هذا صحيح ، لكن المشكلة في العنوان الذي يترك أثراً على المتلقين أكثر من المضمون . فالعنوان رسالة في حد ذاته ، خاصة أنه يتردد كإعلان بشكل يومي في فواصل التلفزيون ، يراه ويسمعه عدد أكبر بكثير من عدد متابعي المضمون الذين هم في الغالب من النخبة المتابعة …