عكس الولايات المتحدة … الصين تطعم خمس سكان العالم
البعث الأسبوعية- هناء شروف
نظم مجلس الشيوخ الأمريكي مؤخراً جلسة استماع حول أزمة الأمن الغذائي العالمية، حيث اتهم كبار المسؤولين الأمريكيين عن التعاون الإنمائي الدولي والشؤون المتعددة الأطراف الصين بتخزين المواد الغذائية التي يزعمون أنها أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتفاقم أزمة الغذاء العالمية، وطالبوها بتقديم إعفاء من ديون الدول الفقيرة، منتقدين سياسة المساعدات الخارجية للصين.
تسييس المساعدات الغذائية
الحقيقة هي أن الولايات المتحدة تقوم بتسييس وتسليح المساعدات الغذائية، فقد كانت وراء كل أزمات الغذاء تقريباً في الماضي، وهذه المرة ليست استثناء، إذ لا عجب أن بعض وسائل الإعلام الروسية قالت إنه من أجل معاقبة روسيا فإن الولايات المتحدة مستعدة لتجويع العالم حتى الموت.
تمتلك واشنطن مجموعة من الأسلحة الفريدة من نوعها، ويعد الطعام من أهمها فقد قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر ذات مرة: “من يتحكم في الإمدادات الغذائية يتحكم في الناس. من خلال التلاعب بنظام تجارة الغذاء العالمي يكون للولايات المتحدة سيطرة صارمة على “وعاء الأرز” في العالم” .
وباعتبارها أكبر قوة زراعية في العالم فإنها تقيد صادرات الحبوب، وتستخدم الحبوب لإنتاج الوقود الحيوي مما يعطل بشكل خطير تجارة الأغذية العالمية وإمداداتها. لذلك يقع اللوم على الولايات المتحدة في أزمة الغذاء العالمية الحالية لأسباب ليس أقلها أنها أطالت الصراع بين روسيا وأوكرانيا من خلال تزويد أوكرانيا بأسلحة بمليارات الدولارات، وفرض عقوبات أحادية الجانب على دول أخرى أدت إلى تفاقم النزاعات، ونقص الغذاء العالمي في العديد من المناطق الأخرى.
بدءً من خطة مارشال، أصبحت المساعدات الخارجية الأمريكية سياسية وأيديولوجية إلى حد كبير بأهداف استراتيجية واضحة وشروط سياسية قاسية، ومنذ الحرب الباردة أصدرت الولايات المتحدة قوانين لتقديم المساعدة الغذائية للدول النامية على أساس شروط صارمة، وبالتالي تقليل فرص العمل في تلك الدول. على سبيل المثال تطلب الأمر من الدول الأفريقية التخلي عن زراعة الأغذية، والتحول إلى إنتاج المحاصيل النقدية مثل الموز والكاكاو على نطاق تجاري، مما يجعلها تعاني من نقص في محاصيل الحبوب والأغذية الأخرى.
في السنوات الأخيرة أعلنت الولايات المتحدة عن العديد من المبادرات في مجالات الأمن الغذائي والبنية التحتية والصحة والرقمنة وتغير المناخ وغيرها من المجالات، مع تعهدات بتقديم مساعدات تقدر بمئات المليارات من الدولارات، لكنها لم تحرز أي تقدم عملي حتى الآن في أي تعهد أو اقتراح أو مبادرة. كما أعلنت عن شراكة بقيمة 600 مليار دولار من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار، و 4.5 مليار دولار من المساعدات الغذائية لم تنفذ منها شيء إلى الآن.
ناهيك عن أن معظم المساعدات الغذائية الأمريكية يتم تقديمها من خلال وكالات متعددة الأطراف مثل برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، حيث يتم إعادة مبلغ كبير من الأموال إلى مؤسسات المعونة الأجنبية، وما يحصل عليه الناس في الدول المتلقية في الواقع هو أقل من نصف المساعدة، حيث تظهر الدراسات أنه مقابل كل دولار ينفق على المعونة الغذائية في الولايات المتحدة يتم إنفاق 0.35-0.40 دولار فقط على الجياع.
الصين تساعد الدول النامية
في المقابل، وكدولة رئيسية مسؤولة، تكره الصين أن ترى دولاً أخرى وخاصة الدول النامية تعاني بسبب نقص الغذاء، لذلك تساعدها في تأمين “وعاء الأرز”، وتعمل على تعميق التعاون الدولي، واتخاذ تدابير لتحسين معيشة الناس، وبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية.
تنتج الصين حوالي ربع الغذاء في العالم، وتطعم خمس سكان العالم على الرغم من امتلاكها أقل من 9 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم. استقر إنتاجها من الحبوب عند 650 مليار كيلوغرام لمدة سبع سنوات متتالية، مما يجعلها أكبر منتج للحبوب في العالم، وثالث أكبر مصدر للحبوب، لذلك إن تحقيق الصين للاكتفاء الذاتي من الغذاء هو أكبر مساهمة لها في الأمن الغذائي العالمي.
مبادرة الصين للنمو المستدام
لقد اقترحت الصين “مبادرة التنمية العالمية” مع التركيز على النمو العالمي المستدام باعتبار الأمن الغذائي أحد مجالات التعاون الرئيسية الثمانية، كما اقترح عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية وانغ يي مؤخراً مبادرة تعاون الصين بشأن الأمن الغذائي العالمي، والتي تقدم حلاً صينياً لنقص الغذاء العالمي الحالي.
في الواقع تلتزم الصين بمساعدة الفقراء والمحتاجين في جميع أنحاء العالم، فقد قدمت منذ عام 2016 مساعدات غذائية طارئة لأكثر من 50 دولة لتلبية احتياجات عشرات الملايين من الناس، وقدمت أكثر من 30 ألف طن من المساعدات الغذائية الإنسانية الطارئة للدول النامية.
لم تتبرع الصين بالحبوب فحسب، بل دربت أيضاً الأشخاص من الدول النامية الأخرى على التقنيات الزراعية المتقدمة، وشاركتهم الطرق لتعزيز مرونة المحاصيل حتى يتمكنوا من زيادة إنتاجهم من الحبوب. ومن أجل حماية الأمن الغذائي العالمي بشكل أفضل، ساعدت الصين أيضاً في بناء مراكز عرض للتكنولوجيا الزراعية، وبنية تحتية لتخزين الحبوب ومعالجتها، وقدمت مساعدة فنية زراعية، وأرسلت خبراء زراعيين إلى العديد من الدول لتنظيم البرامج التدريبية.
بشكل عام نفذت الصين تعاوناً زراعياً مع أكثر من 140 دولة ومنطقة، وعززت أكثر من 1000 تقنية زراعية مما أدى إلى زيادة غلة المحاصيل بنسبة 30-60 في المائة في المتوسط في مناطق المشروع، واستفاد منها أكثر من 1.5 مليون مزارع.
تعزيز التعاون الإنمائي العالمي
لا تقدم بكين المساعدة الثنائية للبلدان النامية فحسب، بل تشارك أيضاً في التعاون الإنمائي العالمي الثلاثي والمتعدد الأطراف، وهي ملتزمة بتسريع تنفيذ خطة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة وبناء مجتمع مصير مشترك للتنمية العالمية.
إلى جانب ذلك قدمت الصين أكبر قدر من المساعدات، وأرسلت أكبر عدد من الخبراء وبدأت أكبر عدد من المشاريع في الدول الأخرى في إطار التعاون بين بلدان الجنوب لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.
كما تدعم الصين برنامج الغذاء العالمي لإنشاء مستودع عالمي للطوارئ الإنسانية لتوفير الغذاء للدول الأخرى، وقد أنشأت الصندوق الاستئماني للتعاون بين بلدان الجنوب مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، وتوفر التمويل لمساعدة الدول النامية الأخرى على الحد من الفقر وزيادة الإنتاج الزراعي وتعزيز الأمن الغذائي.
علاوة على ذلك نفذت الصين بالكامل مبادرة مجموعة العشرين لتعليق سداد ديون الدول الأقل نمواً بالقيمة الحقيقية، فقد علقت أكبر مبلغ من الديون بين أعضاء مجموعة العشرين، مما خفف بشكل كبير من عبء الديون على العديد من الدول.
تسترشد تنمية المساعدات الخارجية الصينية بمبدأ السعي لتحقيق الصالح العام والمصالح المشتركة، وقد التزمت دائماً بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولا تفرض أي شروط سياسية للمساعدة، وقد أوفت بما وعدت به، وساعدت الدول المتلقية على تحقيق تنمية متنوعة ومستقلة ومستدامة.
الحقائق تتحدث بصوت أعلى من الكلمات، وهذه الحقائق تظهر أن الصين شريك موثوق به للأمم المتحدة والدول النامية الأخرى في الإمدادات الغذائية ولاعب مهم في الحفاظ على الأمن الغذائي العالمي ومساهم رئيسي في التنمية المستدامة العالمية.