أمريكا تفسد علاقات حلفائها مع الصين
عناية ناصر
لا تتوانى الولايات المتحدة، عند الضرورة، عن استخدام الإكراه والبلطجة لتحقيق أهداف سياستها الخارجية، حتى على حلفائها، فللولايات المتحدة تاريخ طويل في تسليح الحلفاء المفترضين للانصياع لقوانينها وأحكامها، لكن عندما تتعارض طموحات واشنطن مع الدول الصديقة التي اختارت استقلالية في قرارها، وترفض الامتثال لمطالب الولايات المتحدة، فإن الرؤساء الأمريكيين، مثل عرابي المافيا، يقدّمون لها عروضاً لا يمكن رفضها. هذا يعني أن الدول التي تنحاز إلى الولايات المتحدة سيُفرض عليها يوماً ما خيار صارم: “إما أن تكون معنا أو ضدنا”. وهذا الأمر ينطبق حتى على بريطانيا، على الرغم مما يُسمّى بالعلاقة الخاصة بينهما.
في الواقع، إنها علاقة “خاصة” فقط عندما تكون في مصلحة أمريكا، مثلما حدث عندما تبع توني بلير جورج دبليو بوش في حربه المزعومة على الإرهاب، ولاحقاً في العراق على الرغم من عدم توفر الأدلة الكافية لشنّ تلك الحرب، والحدّ الأدنى من الدعم الشعبي، وعدم موافقة الأمم المتحدة. ويعتقد من يشغل البيت الأبيض أنه إذا استفادت دولة ما من صداقة الولايات المتحدة في الماضي، فمن حق الولايات المتحدة أن تتوقع ولاءً تاماً في المستقبل، ويتضح هذا بشكل خاص عندما يكون هدف العم سام حشد الرأي العام الدولي ضد دولة يعتبرها عدواً، أو منافساً اقتصادياً أو أيديولوجياً، وخاصة إذا كان هذا المنافس هو الصين.
شعرت بريطانيا بذلك بقوة منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي، حيث كان هناك أمل في أن تجد شكلاً من أشكال التحالف الأعمق مع كلّ من الولايات المتحدة والصين، في محاولة يائسة لتأمين شركاء تجاريين جدد بعد فقدان روابطها وعلاقاتها الاقتصادية الوثيقة مع الأعضاء السبعة والعشرين الباقين في الاتحاد الأوروبي.
منذ عام 2015، كان رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ديفيد كاميرون يتحدث عن آفاق علاقات تجارية أوثق مع الصين، ويبشّر بفجر “العصر الذهبي” في العلاقة بين لندن وبكين، حيث أصبحت المملكة المتحدة أول دولة خارج آسيا، وأول عضو في مجموعة السبع يصادق على بنود اتفاقية البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.
وفي وقت سابق من هذا العام، كان المستشار الحالي ريشي سوناك يعمل على إبرام صفقة تجارية مع الصين، حيث تمّت الموافقة على بيع مصنع الرقائق الدقيقة البريطانية لشركة هولندية مملوكة للصين، كما تمّ منح الموافقة على الاستثمار الصيني في بناء محطة “سايز ويل سي” للطاقة النووية بقيمة 20 مليار جنيه إسترليني في ساسكس، لكن على مايبدو أن “العصر الذهبي” قد خبا بريقه فجأة.
وما زاد الأمر سوءاً قيام أمريكا، التي أعربت عن استيائها من استمرار تعامل المملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى مع شركة “هاواي”، بفرض عقوبات منعت أي تقنية أمريكية يتمّ استخدامها في أنظمتها جنباً إلى جنب مع شركة “هاواي”، ما اضطر بريطانيا إلى إلغاء الصفقة -الأولى في أوروبا التي تفعل ذلك- والإعلان عن إلغاء جميع تقنيات “هواوي” من أنظمتها بحلول عام 2027.
وقد اعترف رئيس الوزراء -مستقيلاً- بوريس جونسون بأنه استسلم للضغوطات التي مارستها الولايات المتحدة ضده. وبعد ذلك بوقت قصير، تمّ الكشف عن أن الحكومة غير راضية عن حصة الصين البالغة 20 في المائة في مشروع الطاقة النووية
” سايز ويل سي”، وقبل شهرين اقترحت الحكومة تولي دور الشركة الصينية لمجموعة الطاقة النووية “سي جي إن” في انتظار مراجعة الحكومة.
إنه لمن الصعوبة بمكان تصديق كيف تحوّلت العلاقة الدافئة والودية بين الصين والمملكة المتحدة إلى جمود بسبب ضغط واشنطن، ولذلك ليس من قبيل المصادفة أن سياسات بريطانيا تجاه الصين تتوافق الآن مع سياسات الولايات المتحدة!.
لم تكن هذه الحال مع بريطانيا فقط، حيث اتبعت أستراليا بخنوع المصالح الأمريكية من خلال جرّها إلى صراعات مثل فيتنام وأفغانستان. والآن، على الرغم من أن الصين هي أكبر شريك تجاري لأستراليا، فقد تمّ الضغط على كانبيرا طواعية من خلال إدخالها باتفاقية “أوكوس” الجديدة مع المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وأُلزمت ببناء أسطول من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية التي لا تحتاجها والعديد من مواطنيها، كما أن التورّط البريطاني يلزمها بحضور أكثر وضوحاً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهو ما سعت إليه الولايات المتحدة مراراً وتكراراً. وعلى الرغم من اقتناعهما بعد اتخاذهما للقرارات الصحيحة، تعتبر المملكة المتحدة وأستراليا جزءاً من تحالف لمواجهة ما تعتبره الولايات المتحدة نفوذاً صينياً متزايداً في المنطقة، وهما ملتزمان بهذا الردّ.