مخالفة مزمنة..!
علي عبود
وافقت الحكومة مؤخراً على قطع حسابات موازنة عام 2019 التي أنجزتها الحكومة السابقة، وأقرّها مجلس الشعب السابق.. ترى ماذا نفهم من هذه الموافقة؟
وبالمقابل، أعلنت وزارة المالية أنها أنجزت قطع حسابات موازنة عام 2018 التي تعود أيضاً للحكومة السابقة، والتي أقرّها مجلس الشعب السابق، والسؤال: ماذا يعني هذا الإقرار؟
لاحظوا أننا أمام حالة سابقة وليست حاضرة، وبالتالي ليس بإمكان مجلس الشعب عند مناقشة قطع حسابات موازنة عام 2018 السابقة أن يسأل أو يُحاسب الحكومة الحالية عما كشفته من خلل وتقصير أو تجاوزات حصلت في عهد الحكومة السابقة!!
وإذا أردنا اختصار المشهد فإننا نؤكد أن جميع الحكومات المتعاقبة على مدى العقود الأربعة الماضية خالفت الدستور، سواء بإنجاز الموازنات، أم بقطع حساباتها في مواعيدها الدستورية، والتي يجب ألا تتجاوز العامين بعد انتهاء العمل بها.. والسؤال بطبيعة الحال كان ولا يزال: لماذا؟
مهما تضمّنت الموازنة العامة للدولة من اعتمادات مالية، ولو كانت بمئات آلاف التريليونات، فهي تبقى موازنة نظرية وتقديرية أو تأشيرية، فالمهمّ ماذا أنفقت الحكومة فعلياً من الاعتمادات التي رصدتها في الموازنة، وأين، وكيف؟
ولا يُمكن معرفة ماذا فعلت أية حكومة باعتمادات الموازنة إن لم تُنجز قطع حساباتها في مواعيدها الدستورية، بل إن قطع حسابات الموازنة هي الوثيقة المالية الوحيدة التي تكشف نشاط الحكومة خلال سنة مالية محدّدة، وتجيب عن التساؤل الأساسي: هل وفت الحكومة بالتزاماتها ووعودها وخططها الاقتصادية والاجتماعية والخدمية أم لا؟
ولأن المسألة بهذا الوضوح فإن ما من حكومة أنجزت أي قطع حسابات لأي موازنة في موعدها الدستوري، بل هي غالباً تنجز قطع حسابات لموازنات حكومات سابقة، أي بعد أن تصبح بمنأى عن المحاسبة أمام مجلس الشعب!.
وإذا كانت الحكومات خلال العقدين الأخيرين التزمت بتقديم الموازنة العامة للدولة بمواعيدها الدستورية، أي قبل شهرين من بدء السنة المالية الجديدة، فإنها مثل الحكومات المتعاقبة في عقدي الثمانينات والتسعينات لم تلتزم بما هو أهم، أي بقطع الحسابات في موعدها الدستوري!
ما دعانا للحديث عن المخالفات الدستورية المزمنة، سواء لدستور 1973 أو لدستور 2012، فيما يتعلق بالموازنة وبقطع حساباتها، هو الحديث المكرّر لوزراء المالية وغيرهم من المسؤولين عن القطاع المالي منذ عام 2012 بأن التأخر بإنجاز قطع حسابات الموازنة في موعدها يعود “للأحداث وظروف التخريب والإرهاب التي طالت بعض الجهات العامة، وفقدان بعض البيانات المالية التي يتمّ الاعتماد عليها لقطع الحسابات”!
التبريرُ منطقيّ جداً، ومقنع جداً جداً، لو كانت حكومة واحدة على مدى الأربعة عقود الماضية أنجزت قطع حساب موازنة واحدة في موعدها الدستوري، فدائماً كان لدى الحكومات التبريرات ليس لمخالفة الدستور بإنجاز قطع الحسابات، بل ولمخالفة الدستور بإنجاز الموازنة العامة سنة بعد سنة، فالسمة البارزة لحكومة تسعينات القرن الماضي كان العمل دائماً، وبلا أي استثناء، بموازنات سنوات ماضية حتى قبل إقرارها في مجلس الشعب، أما سمة حكومات العقدين الأخيرين فهي إنجاز قطع حسابات لموازنات حكومات سابقة، وليست لحكومات لا تزال على رأس عملها!
السؤال المهمّ جداً: لماذا تتحاشى الحكومة – أية حكومة – إنجاز قطع حسابات موازناتها العامة؟
السببُ باختصار: قطع حسابات الموازنة هو كشف حساب للتنفيذ الفعلي لخطط الحكومة، وبيان تفصيلي أين أنفقت الأموال ولماذا وكيف.. إلخ.
باختصار.. الوقائع أكدت أن الحكومات المتعاقبة منذ أربعة عقود لم تجد منفعة أو مصلحة بالكشف عن نشاطها المالي خلال ممارستها لمهامها، لذا لم تتردّد بمخالفة الدستور كي لا ينفضح أمرها أمام الناس عبر ممثليهم في مجلس الشعب، وقد وعدت وزارة المالية منذ أيام أنها ستنهي تراكمات قطع حسابات الموازنات السابقة وتلتزم بإنجاز القادم منها بمواعيدها الدستورية.. فهل حقاً ستفعلها؟!