السوق المقبي “البازار” في اللاذقية… مقصد تراثي وتجاري يحاكي الذاكرة الشعبية
البعث الأسبوعية- مروان حويجة
يمكن القول أن أغلب الأسواق الشعبية القديمة لمدينة اللاذقية قد غابت عن المشهد العمراني للمدينة ودخلت ذاكرتها من بابها التراثي الشعبي، و يتم استحضار معالمها وسماتها ومكوناتها للدلالة على عراقة هذا التراث وأصالته وغناه، ولعلّ السوق الوحيد الذي لايزال يقاوم الزمن بعقوده وسنوات الطويلة هو السوق المقبي أو ما يعرف بسوق البازار الذي يشكّل إلى الآن مقصداً هاماً للتسوّق.
عن هذا السوق وأهميته التقت “البعث” الباحث بسام جبلاوي رئيس لجنة التراث الوطني في جمعية العاديات في اللاذقية الذي أوضح أنّ حركة العمران والبناء الحديث اجتاحت الأسواق القديمة، حتى لم يبقَ منها إلا أجزاء متناثرة تكاد لا تذكر، إلا أن السوق المقبي “سوق البازار” ما تزال تحتفظ إلى حد كبير بطابعه العمراني والمهني والتجاري المميز، إضافة إلى رونقه الخاص وحميميته التي تعبر عن أواصر المحبة ووشائج المودة بين أهل اللاذقية وسكانها وزوّارها.
و أضاف جبلاوي: تعدّ سوق البازار من أهم أسواق المدينة العتيقة (اللاذقية) ومركز ثقلها التجاري بالنسبة للباعة والمستهلكين، وقسم كبير من هذا السوق مقبي بعقود حجرية، ويطلق اسم البازار على المربع المحصور بين شارع الغافقي -سوق الخضار- مقابل جامع الجديد، شرقاً، وشارع أحمد جودت كاظم غرباً وفيه بناء البلدية القديم -شعبة المنطقة للحزب حالياً، وشارع عدنان المالكي (سوق الذهب) شمالاً، وسوق النوفوتيه “التجار” شارع سيف الدولة جنوباً وفي أطراف سوق البازار تتوزع وتتشابك عدد من الأسواق، هي:
سوق القماش، سوق الفخارين، سوق العطارين، السوق الجديد خلف المسرح القومي -المركز الثقافي القديم، سوق الجمعة، سوق السمرجية والمبيضين، سوق الدلالين، سوق الجوخ، سوق الحبوب.
وبيّن جبلاوي أنّ بعض هذه الأسواق لم تعد قائمة، إلا أنّ السوق المقبي والذي عرف قديماً باسم (البازار القديم) وحده دون غيره ظل حاله مشابهاً لما مضى من عقود طويلة أو ردحاً من الزمن، ويعد السوق المقبي من أشهر أسواق البازار وأسواق محافظة اللاذقية، لأسباب عديدة، من أهمها:
حفاظه على شكله التراثي وطابعه العمراني الجميل، وموقعه الجغرافي وسط المدينة وحوله جميع أسواق اللاذقية الأخرى وفعالياتها المختلفة، وأيضاً الإرث التاريخي الذي ما زال مستمراً فيه (ما بين البشر والحجر) حيث الأحفاد ورثوا الأجداد عن طريق الآباء في الحرفة والمهنة والتجارة وفي المكان (الدكان) ذاته، وما يميّز السوق ازدحامه معظم ساعات اليوم، وتميّزه بأبوابه الخمسة إضافة إلى التشكيلة السلعية لحاجات الناس ومتطلباتهم اليومية والموسمية.
أمّا تسميته فتعود إلى شارعه المسقوف والحوانيت المتشابهة بمساحات شبه واحدة، المتوضعة على جانبيه، وفي عجالة سريعة حول (السوق المقبي) والذي يعرفه سكان اللاذقية بسوق الأبواب الخمسة، أوضح الباحث جبلاوي أن السوق يعدّ من أقدم أسواق المدينة، وهذا ما تبرزه ملامحه الأثرية والتاريخية الهامة من خلال جدرانه بحجارتها الضخمة العتيقة، وبناؤه المسقوف، مما جعله مركزاً للتسوق السياحي أو سياحة التسوق لأهل اللاذقية وزوارها الذين يجدون فيه فسحة ومتعة لا تضاهى، يقيهم حرَّ الشمس صيفاً، والأمطار شتاءً.
يحيط بالسوق ساحة البلدية القديمة وشارع هنانو مع شارع جودت كاظم غرباً، وساحة سينما أوغاريت جنوباً، وسوق الذهب أو الصاغة، كما يسمى، شمالاً، ومن الشرق شارع القوتلي.
للسوق خمسة مداخل -بوابات- ويؤلف بمساحته البالغة تقريباً 30 ألف متر مربع، مجموعة من الشوارع الضيقة والأزقة الملتوية، وقناطره التي لم يبقَ منها الآن سوى ثلاث قناطر، إضافة إلى بعض الأقبية، والمدهش في مداخله المتعددة أن بعضها من أدراج حجرية وهي مدخلان من الجهة الشمالية للسوق، ومدخلان منبسطان من جهة الجنوب ومدخل يبدو كطلعة ترتفع بشكل بسيط من جهة الشرق.
أما أهم الفعاليات والمهن التي عرفها هذا السوق ومازال بعضها قائماً لتاريخه، الحياكة وخياطة العباءات، والفخار وصناعة الصابون وتجارته، وحرفة صناعة الطرابيش وكيّها، وهذه اندثرت منذ مطلع ثمانينات القرن العشرين، وباعة الصوف والقطن، وتجارة الحبوب والبقوليات والسمون والأقمشة، وأدوات المطبخ، والخردوات والأحذية، والحصر والموكييت، والمناشف والملاحف والوسائد، والألبسة الجاهزة والكلف والأزرار واكسسوارت متعددة، إضافة إلى مواد التجميل والزينة والعطورات… إلخ.
ومن المعروف أن أهالي اللاذقية يرتادونه منذ أن كانوا أطفالاً مع أهاليهم وما زال هؤلاء الأطفال الذين صاروا كباراً يرتادونه ويتسوقون منه حاجاتهم مع أبنائهم وأحفادهم .
وغني عن البيان أن السوق المقبي ذا الطابع الجميل يتمتع بكاريزما الأسواق كلها، فهو سوق مزدحم دوماً لاسيما أثناء افتتاح المدارس والأعياد، كل شيء فيه يحكي قصة من التاريخ اللاذقي، سوق مليء بالأسرار، وجميع أسراره مخزونة بين حجارته، محفوظة فيها، لا تبوح سر أحدٍ لأحد.