سورية من بين الدول الأعلى استخداماً لها.. شبكات التواصل الاجتماعي “فنّ حكم القرن الحادي والعشرين”
أمينة عباس
اعتبرت أستاذة الإعلام في جامعة دمشق د. نهلة عيسى أن وسائل التواصل الاجتماعي اليوم هي فنّ حكم القرن الحادي والعشرين مع بدء تطبيق الفيسبوك من خلال طلاب جامعة للتواصل فيما بينهم، ولكن سرعان ما انفجر هذا التطبيق في وجوهنا، لتتتالى التطبيقات الأخرى، وصولاً إلى تطبيق توكي وهو ما يسمى بالصندوق الأسود لوسائل التواصل الاجتماعي.
وبينت عيسى خلال الندوة الحوارية الثانية للاتحاد الصحفيين والتي جاءت تحت عنوان “شبكات التواصل الاجتماعي وتشكيل الرأي العام” أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتميّز بشبابها، فنصف سكانها تقريباً تحت سن الـ25 وهم يشكلون بين 35% و45% من مستخدمي هذه الوسائل بنسبة تتراوح ما بين 60% و70%، في حين أن 80% من سكان الدول الكبرى يستخدمون الإنترنت بحثاً عن المعلومات، وما تبقّى يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، موضحة أن سورية تُعدّ من بين الدول الأعلى استخداماً لوسائل التواصل، وغالباً ما تُستخدم هذه الوسائل فيها وفي مصر والأردن والعراق لمشاركة الآراء السياسية والدينية، في حين تقلّ هذه النسبة في دول الخليج إلى 34% فيما يتعلق بطرح المواقف السياسية بحيث يشكل الاستخدام الجنسي أو التموضع وإثبات الذات فيها على الانستغرام نسبة عالية، مبينة أن وسائل التواصل الاجتماعي في الدول العربية وسيلة لإثبات الذات والحصول على الدعم العاطفي والسياسي والاجتماعي، والأخطر أنها أصبحت الوسيلة الأهم لزرع النمط، أي تغيير العادات والتقاليد.
وأوضحت عيسى أن هناك عشرات التعريفات للرأي العام، منها أنه مجموع الآراء حول قضية ما، في حين أن الحديث عن رأي عام برأيها مرتبط بالقدرة على إثارة أكبر كمية من اللغظ والمشاركات حول قضية ما، لأن الرأي العام دون أن يكون مرتبطاً بمفهوم القدرة أو التأثير لا قيمة له مهما كان حجم أو عدد من يتحدثون بقضية من القضايا.
وأشارت عيسى إلى استغلال وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الدول الغربية لإحداث تغييرات في المنطقة العربية وصولاً إلى تحويلها إلى وسائل تجسسيّة، ليس بالمعنى الأمني بل في مجال الثقافة والسياسة، وأكبر دليل على ذلك دورها في (ثورات الربيع العربي) حيث تحولت هذه الوسائل لدى الدول الكبرى إلى بديل عن خوض الحروب بتكاليفها الباهظة بعد أن أصبحت هذه المواقع أشبه بطلعة الطيران الأولى التي مهّدت الأرض لدخول الغزاة عن طريق العقل، موضحة أننا لسنا متواجدين على التويتر كثيراً، لذلك فإن حجم التأثير فيه ليس كثيراً، وأن دول الخليج هي الأكثر استخداماً، مشيرة إلى خطورة الإنستغرام في ترسيخ النمط وتغيير ثقافة الشعوب، مع أنه قد يبدو للتسلية، إلى جانب خطورة مواقع الدردشة المأجورة التي لا يُعرف من يديرها ولا ماذا يحدث فيها، وقد أصبحت وسيلة للحصول على الدخل بكل برامجه، وهناك أعداد هائلة من السوريين يستخدمون هذه الوسيلة في ظل واقع اقتصادي متردٍ، لتؤكد عيسى أننا أمام ما تضخّه هذه الوسائل في مرحلة خطيرة من مراحل تأثير هذه المواقع على مجتمعنا.
قدّم الزميل محمد الخضر عضو المكتب التنفيذي للاتحاد نماذج عملية شرح فيها كيف تمّ استخدام هذه الوسائل في قضايا اجتماعية وثقافية وسياسية دون الإشارة إليها في وسائل الإعلام الرسمية أو نشرها عبر هذه الوسائل بعد ساعات طويلة من وجودها على شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت من أهم مصادر الأخبار في ظل غياب فعالية الوسائل الإعلامية المحترفة، مما فتح الباب واسعاً لنقل مختلف الأخبار التي قد لا تكون موضوعية، موضحاً أن الغياب عن تغطية أي حدث، صغيراً كان أم كبيراً أو روايته عبر وسائل الإعلام الرسمية بشكل ناقص، يدفع المتلقي المستخدِم إلى الاعتماد على ما تقدّمه وسائل التواصل الاجتماعي، والأمثلة كثيرة جداً ليكون السؤال الذي يُطرَح بقوة: لماذا يزداد حضورُ التواصل الاجتماعي في المشهد الإعلامي؟
والسبب برأيه هو أن التقدم التقني الهائل جعل الوصول إلى المعلومة بكل أنواعها متاحاً في أي لحظة طالما توفرت شبكة الاتصال وجهاز الموبايل، إضافة إلى كمّ النشر الهائل والآنيّ على الصفحات وهو ما لا يتاحُ غالباً لوسائل أخرى، وكذلك التفاعل السريع والمباشر مع ما تحمله شبكات التواصل وبين رواد الصفحة وعامل التحديث المستمر الذي يشكّل سمة لكل الإعلان الإلكتروني مع الطابع المختصر للنشر فيها، إذ أن أقوى المتابعات برأي الخضر تتركز في المنشورات والتغريدات البسيطة والمختصرة.
وبين خضر أن نسبة الدخول إلى موقع معيّن ترتفع إذا ما روعيت مسألة الاختصار والموضوعية، ولهذه الأسباب رأى أن هذه العوامل إذا ما أسقطناها على واقع الإعلام المحلي نقول دون مبالغة: إن وسائل التواصل الاجتماعي أكثر جدوى وعمقاً في التأثير على الرأي العام من الإعلام التقليدي بصرف النظر إن كان عاماً أو خاصاً، وأنه يمكن بسهولة ملاحظة التفاعل الضعيف وشبه الغائب مع صفحات فيسبوك التابعة للصحف الرسمية، خاصة مع تأكيده على أنه يمكن الاقتباس المباشر من مواقع التواصل الاجتماعي لكن مع التوثق من المعلومة في ملايين الموضوعات التي تقدّمها والتي يمكن العمل عليها، وكذلك التأكد من صحة صفحات الأحزاب والسياسيين، مؤكداً في الوقت ذاته أن صفحات التواصل لديها نقطة ضعف كبيرة تتمثل بضعف المصداقية مما يستوجب التأكد عشرات المرات من صحتها.
وبالأرقام أشار خضر إلى أن الإذاعة احتاجت إلى 38 عاماً للوصول إلى 50 مليون مستمع، والتلفزيون إلى 13 عاماً للوصول إلى 50 مليون مشاهد، والإنترنت إلى 5 أعوام فقط للوصول إلى 50 مليون مستخدم، وقد بلغ عدد مستخدمي فيسبوك حسب إحصائيات (2021) 2.8 مليار شخص، ومستخدمي الإنستغرام نحو 1.38 مليار شخص، ومليار مستخدم للتيك توك.
وأشار الزميل يونس خلف أمين سر الاتحاد، إلى أهمية الموضوع المطروح في تسليط الضوء على الرأي العام الذي تعدّدت تعريفاته، مبيناً أن هناك من يقول إنه محصلة آراء فردية اتجاه قضية ما، وهناك من يقول إنه يتأثر بالحكومات أكثر من تأثره بالمجتمع، أو أنه يختلف باختلاف القضية المثارة لتبقى الأسئلة الأهم برأيه: لماذا غدت شبكات التواصل الاجتماعي أكثر قبولاً لدى الرأي العام؟ وكيف أصبحت الأداة الأهم لصناعته؟ وما هي العوامل المؤثرة فيه؟ وصولاً إلى سؤال كيف يمكن تنظيم هذا التأثير ليكون في مساره الصحيح؟.