ثقافةصحيفة البعث

المجموعة الشعرية “صهيل الغمام”.. الحُب يتوهج في مواجهة الآلام

سامر خالد منصور

للعنوان دورٌ كبير في جذب القارئ وقد وُفِّقت الشاعرة في اختيارها، فالصهيل يُحيلنا إلى الانطلاق وإلى معانٍ كالحرية، أما الغمام فهو سماوي، وبالتالي عندما يصهل فهو يخوض في المدى المفتوح الأرحب على الإطلاق، ومن الغمام، نيران البرق ومنه أيضاً ماء المطر، أي أنه لا يخلو من المتناقضات ومع هذا هو رمزٌ للخير والبُشرى، وعندما يَصهل الغمام فهذا يكون مسبوقاً بنورٍ خاطف ساطع يُبدّد كل الظلام ويملأ الآفاق بطرفة عين، ومتبوعاً بالمطر “سر العطاء والحياة والاخضرار” والجمع بين مفردتي “صهيل” و”غمام” يُدلّ على العطاء الجامح الذي يتسم بأن مصدره كائنٌ سماويٌّ شامخٌ ورهيف في آنٍ معاً.

في مجموعتها الشعرية “صهيل الغمام” الصادرة عن دار بعل وعلى امتداد مئة وثماني صفحات موزعة على تسعٍ وأربعين قصيدة، آثرت الإعلامية والشاعرة لمى توفيق عباس كتابة القصائد القصيرة ذات العناوين الجذابة التي تشي بطابعها الوجداني من جهة وتشوّق القارئ إلى دخول عالم القصيدة: “رذاذ من جمر، أين؟، لا.. لا.. لا..، يا بحر، رُدَّ لي، كُلنا يُسافر، سأرسمك، هل؟، مُرَّ بي، كلمات لا اسم لها، قيامة”.

لقد سلبتنا الحرب أماكن وبيوتاً وحَواريَ بأكملها لم نكن نتصور يوماً حياتنا دونها مما جعل الذاكرة تتوهج، فقد يستطيع المُعتدون مَحو آثار الأماكن أو تشويهها على الأرض لكن ذاكرة الإنسان السوري وما انطبع فيها من ملامح هذا الوطن البهي وما تجذر في وجدانه عصيّة على التغييب، هذا ما أكدته الشاعرة لمى توفيق عباس حين خصصت ذلك الحيز الواسع “للذكريات” ولحجم الاغتراب الذي يشعر به كل مُنتمٍ يَتَجمَّل بانتمائه، وسط ما وَلَّدَهُ قُبح العدوان:

“قد خان ذاكرتي الزمان

وتبرَّأ مني المكان..”

********

“ولحنُ أغنيةٍ شاخت بها الحناجر…

يا بحر رُدَّ لي طوقَ اليمامة

و ازرعني في روحِ نسري

ريشةً بِكر” (من قصيدة يا بحر صفحة 55)

********

“ذات غفوةٍ ضعنا

ما بين حرفين وحرب

ولا ألومُ سوانا” (من قصيدة بعنوان “رقصة” صفحة 62)

وسط الحرب وأهوالها تجلى الحبيب كرمز للاستقرار، والاستقرار يجعل الإنسان يرفع من سقف تأملاته وقد عبَّرت عن هذه الفكرة بقولها: “دعني أتوسدُكَ حتى الحُلم البعيد”.

ولعل الرهافة الفياضة ما يميز ما تكتبه الشاعرات عما يكتبه الشعراء، ومثال ذلك ما جاء في قصيدة  “يا هذا المطر”:

لو أنني أدري

من تلك العيون

التي ذرفتكَ…

لو أنني أدري شكلها

أو لونها، أو عُمقها

يا أنتَ يا هذا المَطر…

الحبيب يبدو في مُعظم القصائد كـ”مُنتظر” أو كحُلم، ولكن وهج استحضاره عبر صور وومضات مشهدية لا ترسم ملامحه الجسدية بل البُعد النفسي لحضوره في عالم الأنثى الرهيف.

تكرار مُفردات كالحمام والطيور عموماً والغمام والمطر والحُلم ومُفردات الرحيل والذاكرة والحبيب الحاضر الغائب، هذا التداخل بين ما هو “نفسي” وما هو “طبيعي” يُحيل هذه المجموعة الشعرية إلى المذهب الرومنسي.

تجلّى في عدة قصائد الألم النفسي عبر المونولوج، كما في قصيدة “لماذا؟”:

أيا قلباً قُدَّ من صخرٍ

وفي شغافهِ

تستوطنُ الرحمة!!

لماذا تُصاحِبُ الغمام

وفي عينيكَ

يشحُّ المَطر؟؟؟

لماذا تغتالُ الشَمس

وفي لياليَّ أنت القمر؟؟؟

لماذا؟

ولم يَغب الملمح الصوفي عن بعض تعابيرها:

“أتوقُ لِلُقياك..

فلا أجدُ منكَ سواي..

ولا أجدُ مني سواك”.

اختارت الشاعرة لمى عباس “القصيدة” كرمز يُجلي صبر المرأة ورهافتها وكبريائها إزاء كل ما تعرضت له في زمن الحرب.

لكلِ أنثى قصيدتها

وسطورٌ تُخبِّئها

بين شقوقِ الجُدران

فلا الكلماتُ تشي بها

ولا تجاعيدُ الزمان.