دراساتصحيفة البعث

أفغانستان البعيدة عن الأنظار

هناء شروف

بعد عام من الانسحاب، اختفت أفغانستان من دائرة الضوء العالمية، ووحدها استمرت معاناة الناس مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والأمنية، وبعد استقالة زلماي خليل زاد -الممثل الأمريكي الخاص للمصالحة الأفغانية- وفشله في مساعدة المجتمع الدولي على التوصل إلى توافق حول عملية السلام.

اليوم بدأت البنوك الخاصة والمملوكة للدولة في النفاد النقدي، والنظام المصرفي على وشك الانهيار، الأمر الذي دفع وكالات المعونة الدولية للتحذير من أن أكثر من نصف سكان أفغانستان سيواجهون الجوع. وبينما يرتفع التضخم دون رادع، ويستمر الاقتصاد في التراجع، توقفت المساعدات العالمية التي شكلت 75 في المائة من ميزانية الحكومة السابقة.

كان العام الماضي صعباً للغاية بالنسبة لأفغانستان، حيث حذّرت الأمم المتحدة من أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد سيتقلّص بنسبة 20 في المائة في غضون عام بعد استيلاء “طالبان” على السلطة، مما أدى إلى واحدة من أسوأ الانهيارات المالية في التاريخ. ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فقد انخفض دخل الفرد في أفغانستان من 500 دولار في عام 2020 إلى 350 دولاراً في عام 2021، وربما يكون تسعة من كل 10 أفغان قد سقطوا تحت خط الفقر، كما أن أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 39 مليون نسمة في حاجة ماسة إلى المساعدة الغذائية.

بعد عودة “طالبان” إلى السلطة فقدَ عدد كبير من الرجال والنساء وظائفهم، ويمكن رؤيتهم أمام المخابز في كابول على أمل أن يشتري لهم بعض المارة قطعة من الخبز. يشعر الكثير من الناس بالقلق من قلة المأكل والملبس، فيما يستمر عدد المتسولين في المدن بالارتفاع.

أفغانستان البعيدة عن الأنظار اليوم لا يعني أنها يجب أن تكون بعيدة عن الذهن، لأن الشعب الأفغاني يستحق اهتماماً إنسانياً أكبر ومساعدة عملية من المجتمع الدولي. ليست المساعدات من الحكومات الأجنبية قليلة فحسب، بل إن الأفغان غير قادرين على الوصول إلى أصولهم الخاصة التي جمّدتها الحكومات الغربية. واليوم مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في أفغانستان، تتزايد النداءات للإفراج عن الأصول الأفغانية المجمدة. ففي رسالة إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن، ووزيرة الخزانة جانيت يلين موقّعة من 71 خبيراً اقتصادياً من الولايات المتحدة، ودول أخرى تحثّ الحكومة الأمريكية على السماح للبنك المركزي الأفغاني باستعادة احتياطياته الدولية من أجل التخفيف من الأزمة الإنسانية وتثبيت الوضع الأفغاني.

يُشار إلى أنه بعد استيلاء “طالبان” على سلطة الدولة، جمّدت الولايات المتحدة ما يقرب من 7 مليارات دولار من الأصول التي يمتلكها البنك المركزي الأفغاني في الولايات المتحدة، وبالمثل رفضت المملكة المتحدة وألمانيا إعادة ما مجموعه 2 مليار دولار إلى البنك المركزي للبلاد.

بدون المدخلات الفورية البالغة 9 مليارات دولار، وفقاً لخبراء اقتصاديين دوليين، لن يتمكّن البنك المركزي الأفغاني من أداء وظائفه العادية، وسينهار الاقتصاد الأفغاني، حيث تواجه 70 في المائة من الأسر الأفغانية حالياً صعوبات في الحصول على الضروريات الأساسية، ويواجه نحو 22.8 مليون شخص (أكثر من نصف سكان البلاد) أزمة غذائية خطيرة،  ويعاني 3 ملايين طفل من سوء التغذية المحتمل.

وأمام ذلك، يبدو أن إعادة كل الـ7 مليارات دولار أمر مستحيل على الأقل في الوقت الحالي، لأن إدارة بايدن قرّرت في شهر شباط الماضي استخدام نصف الأموال الأفغانية لتعويض أسر ضحايا الهجمات الإرهابية عام 2001 على الولايات المتحدة، وخصّصت النصف الآخر لمساعدة الولايات المتحدة!.