تحقيقاتصحيفة البعث

مع اقتراب انتخابات المجالس المحلية.. تقديم المصلحة العامة على الشخصية هو ما ينتظره المواطن

يترقّب المواطنون أي “قشة أمل” في تغيير وإصلاح ما أفسدته سنوات الحرب الانتخابات القادمة لمجالس الإدارة المحلية، عسى ولعلّ تحمل المجالس المنتخبة الجديدة في جعبتها دماء جديدة قادرة على تصحيح مسار عمل هذه المجالس، ولاسيّما بعد أن تعثر طريقها في الكثير من المطارح دون أي رادع، ليصبح عمل أغلبها محصوراً في تحقيق المنافع والمكاسب الشخصية، وخاصة في عمل “البلديات” التي تكرر وقوع القائمين عليها في المطبّات والأخطاء نفسها، مع استمرار التجاوزات والمشكلات التي تعانيها المحافظات على مستوى الوحدات الإدارية الفقيرة بخدماتها.

لا زال نسبياً!

وعلى الرغم من الموافقة على 57354 طلباً من قبل لجان الترشيح، إلّا أن مختلف شرائح المجتمع أكدوا في حديثهم على أهمية وعي وقدرة الشارع السوري على اختيار من يسعى لتحقيق الأفضل لهم ولمدنهم، بعيداً عن المصالح الشخصية، إذ يرى الدكتور الاقتصادي زكوان قريط أن دور المجالس بقي حبراً على ورق على مدى سنوات طويلة، أما الدور الفاعل لها على أرض الواقع فما زال نسبياً، لافتاً إلى أن الأهم ليس من سننتخب، بل ماذا سيقدم هذا المرشح من عمل ومصالح للناس وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، مشيراً إلى مسألة اللامركزية وخاصة في الإدارة الاقتصادية، إذ لا يمكن للإدارة المركزية وحتى أي فرع من فروعها أن يقوم بالعبء نفسه تقديم الخدمات الاقتصادية المركزية للمواطن، فالإدارة المركزية لا تستطيع أن تخدّم أي جغرافية بشكل كامل ومتكامل اقتصادياً، لأن إمكانياتها من الكوادر البشرية والمتابعة ضعيفة.

كفاءات جديدة

كذلك لفت محمد كوسا “خبير إدارة عامة” إلى أهمية مسألة اللامركزية المحلية في تشكيل الحلول الاقتصادية والاجتماعية وإرساء معالم جديدة للاقتصاد، وبرأيه هذا الأمر يتطلّب وجود مجالس بلدية أو إدارة محلية مرنة تشغلها قيادات وكوادر محلية عالية الكفاءة، مشيراً إلى أن الواقع الحالي للقيادات المحلية في هذه المجالس لم يقدم ما هو مطلوب منه، خاصة وأن الواقع الاقتصادي والاجتماعي كان يتطلّب مرونة وسرعة في الاستجابة من قبل هذه المجالس في حلّ المشكلات التي تعاني منها المدن أو البلديات. وبيّن الخبير الإداري أن قانون الإدارة المحلية الذي صدر في مطلع السبعينات يحتوي جزءاً من الأهداف والغايات في نطاق تحسين الحياة الاجتماعية والاقتصادية وتطوير المجتمعات المحلية، ولأن المجتمع تغيّر من حيث الثقافة الاجتماعية والاقتصادية فإن هذا القانون يحتاج لتطبيق أهدافه وغاياته إلى كوادر وكفاءات تتناسب مع العصر، وبالتالي فإن فرص الانتخابات هذه ستحقق لنا إمكانية اختيار هذه الكوادر وإيصالها إلى المجالس لتقوم بالدور الذي حدّده لها قانون الإدارة المحلية، لكن بما يتوافق مع عصرنة الإدارة المحلية وحركة التغيير والتطور الحاصلة عالمياً في كل المجالات. ويجد كوسا أن قانون الإدارة المحلية يمتد نطاقه ليعزز ناخبين في وسعهم أن يدعموا تحولات أساسية مختلفة وجذرية في السلطة المحلية وعلى كافة المستويات من خلال الانتقاء الصحيح لمن سيمثلهم في هذه المجالس، بمعنى أن القانون أفسح المجال ليكون الناخبون هم في الحقيقة أصحاب المصالح الوطنية، لتكون الانتخابات مسؤولية وطنية لتعزيز وانتقاء الأفضل للقيادات الإدارية في المجتمعات المحلية.

غياب الاستراتيجيات!

بدوره انتقد عامر ديب “عضو مجلس إدارة في جمعية حماية المستهلك” عدم استغلال القائمين على البلديات ما منحهم إياه قانون الإدارة المحلية الجديد من مرونة أكثر واستقلالية أكبر، ليكون غياب تطور عمل البلديات بشكل عام سيّد الموقف، لافتاً إلى معاناة البلديات من الترهل وتقديم القائمين عليها مصالحهم الشخصية على المصالح العامة، بعيداً عن العمل على تحسين الواقع الخدمي وكسب ثقة المواطنين، والخروج من النمطية من خلال وضع استراتيجيات جديدة لنهضة القرى والمدن. وتحدث عضو مجلس الإدارة عن أهمية تقييم عمل البلديات بشكل دوري من قبل المحافظة، مشيراً إلى إجماع المواطنين اليوم على ضرورة قيام المنتخبين الجدد بإحداث نهضة في عمل البلديات والعمل على إحداث فرق ملموس بعيداً عن “البرستيج”، وهذا الأمر يتضّح من خلال  ترجمة القرارات على أرض الواقع بدءاً من تحسين عمل المواصلات والنظافة ووضع خطط لإعادة إعمار المناطق المهدمة جرّاء الحرب.

الحد من الفساد

كذلك يرى إسماعيل مهنا “خبير اقتصادي” أن قانون الإدارة المحلية منح المجالس المحلية دوراً تشــريعياً تخطيطـياً تنفيـذياً، لكنّ مـا رأيناه خلال الســـنوات الماضية هو حالة ابتعاد تامّة من قبل هذه المجالس عن دورها، لذا فإن المطلوب من الأعضاء المنتخبين الجدد أن يكونوا مـــن النخبة بالأخـلاق ومن الطليعة فـي العمل، لافتاً إلى ضرورة تعزيز الأعضاء الجدد اللامركزية والديمقراطية والتي ستسهم في تعديل مستويات وهيكليات الوحدات الإدارية، وبالتالي تقديم الخدمات المجتمعية بشكل أفضل، ولاسيّما أن هذه الخاصيّة التي منحت للإدارة المحلية أزالت عبئاً كبيراً عن كاهل الحكومة والإدارات المركزية، وأعطت إمكانية المشاركة وواجب المشاركة من قبل المجتمع الأهلي في إدارة شؤون الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، الأمر الذي لو طُبّق بالشكل الصحيح سيحدّ من الفساد، وبالتالي تحقيق عائد كبير يستثمر في مجال التنمية باتجاهاتها الصحيحة.

كلنا أمل أن تكون المجالس المحلية في دورتها القادمة على قدر المسؤولية، فإعمار الوطن يحتاج للكفاءات الشابة والخبرات من أصحاب الفكر النيّر الذين يبدعون الحلول للمشكلات، يقولون ويفعلون على الأرض بما فيه خير الوطن والمواطن.

ميس بركات