مجلة البعث الأسبوعية

من قطاع كان يشغل نحو 1.5 مليونا وتشكل لحومه 54% من استهلاك السوريين..إلى حال لا يسر عدواً ولا صديقاً..!

البعث الأسبوعية – قسيم دحدل

من قطاع كان يشغّل 1.5 مليون سوري، وتستثمر فيه نحو 12 ألف منشأة قبل عام 2011، إلى قطاع أضحى اليوم يكابد سكرات الاحتضار، حيث انخفضت عدد منشآته –وفقاً لبعض التقديرات- إلى 1500 منشأة..!.

ومن قطاع كان بحسب إحصائيات رسمية يشكل ثقلاً وداعماً للاقتصاد الوطني من خلال مساهمة لحومه بنحو 54% من إجمالي استهلاك السوريين ، ومن مراتب أولى كان يحتلها تصديراً، ويحتكر أسواقاً إقليمية واسعة وهامة، قبل الأزمة، إلى قطاع يواجه تحديات وصعوبات من كل حدب وصوب، ليصل به الأمر حدَّ قرع ناقوس الخطر محذراً من توقع قرب الانهيار إذا لم تتخذ الجهات المعنية ما عليها لتعيد إليه توازنه وتعوض عليه خسائره الفادحة، وتسهل عمليات الخروج من عنق الزجاجة التي علق به، فما وصلت إليه أسعار الفروج مقلقة جداً، إذ انخفض استهلاكه بنسبة٤٠% بعد أن وصل سعر الكغ الحي منه 9500 ليرة، وقفز كلغ الشرحات من 16 ألف إلى ما بين 25 – 30 ألف ليرة، وعلى إثر ذلك أصبح الشراء بالقطعة وبات الطلب اليوم يتركز على أرخص قطع..!

وبناء عليه نسأل كما كل مواطن: ما هي الأسباب الحقيقية التي أوصلت القطاع لهذا الحد من الضياع..؟

في هذا الملف نسلط الضوء على عدد من الحقائق التي أوصلت قطاع دواجننا إلى هذه الدرك المؤسف حيث مؤشرات التراجع الكبير، وأرقام التربية والإنتاج والخسائر والمنافسة والمساهمة في الاقتصاد الوطني خير دليل على ما آل إليه.

نسلط الضوء بلسان أحد المربين الكبار المكتوين بمآسي هذا القطاع، والذي بدأ حديثه بالتحذير…

 

تحذير وخطير..

أنس قصار عضو اتحاد غرف الزراعة السورية وعضو لجنة مربي الدواجن بدمشق، حذر وبشدة من بداية انهيار قطاع الدواجن في سورية، بعد أن وصل لحد الاحتضار، على إثر انخفاض نسبة المربين إلى 10% نتيجة لما لحق بهم من خسائر كبيرة وارتفاعات أكبر في كلف التربية والإنتاج وتراجع مخصصات هذه الصناعة من أعلاف وأدوية وطاقة وغير ذلك من مستلزمات ومتطلبات الإنتاج الضرورية، ولفت إلى أن هذا الوضع وصل لحدود خطرة تهدد استمرارية الإنتاج، وبالتالي مصير القطاع، مبيناً أن المخصصات لا تغطي سوى 10% من احتياجات وتكلفة إنتاج الفوج الواحد حالياً.

 

أقل من الربع فقط

ومع أن الأعلاف تشكل العمود الفقري لهذا القطاع، يقول قصار: إلاَّ أننا نجد أسعارها تزيد عن دول الجوار بمقدار ما بين 600 و800 آلف ليرة للطن، أي ما نسبته 25% كحد أدنى، مشيراً إلى أن المخصصات التي تعطيها الدولة (مؤسسة الأعلاف) للمربي لا تتعدى في نسبتها 20% من احتياجات التربية، منوهاً إلى تراجع الكميات التي يحصل عليها المربي؛ حيث كان يحصل ومنذ سنة على واحد كلغ ذرة، ثم انخفض المخصص إلى نصف كلغ ليصل حالياً إلى 400 غرام، علماً أن الصوص – وحتى يصبح فروجاً جاهزاً للاستهلاك- يحتاج لـ 4 كلغ. أي أن المربي لا يحصل إلا على ربع الكمية حالياً..!

 

عدم توازن

المشكلة فيما وصلنا إليه في هذه الصناعة وفقاً لما كشفه قصار، تكمن في عدم وجود توازن بين كفتي ميزان التكلفة والسعر، مؤكداً أن المربي اليوم ومهما بلغت قوته وضخامة إمكانياته، لا يستطيع الاستمرار في الإنتاج إذا ما ظل يتحمل وحده أعباء وتبعات الخسارة التي يعاني منها، بسبب الكثير من الأمور التي هو نفسه لا يقدر على تحديدها، فعلى سبيل المثال لا الحصر لا تزال أسعار الأعلاف في صعود لا يمكن وصفه، وهي مستمرة في الارتفاع بشكل مضطرد وهذا ناتج عن ارتباط توفر الأعلاف بعملية الاستيراد والإجراءات التي تحكمها واحتياجاتها من القطع الأجنبي، إضافة إلى مشكلة الترتيب والآلية الطويلة العريضة لعملية الاستيراد وكيفيتها، حيث يسلِّم المستورد جزءاً محدداً وقليلاً من مستورداته لمؤسسة الأعلاف بسعر التكلفة، بينما يقوم ببيع الباقي في السوق الموازية وحسب العرض والطلب، الذي لا يزال لصالحه لناحية احتكار المادة والتحكم بأسعارها !

 

غض الطرف.. وتراجع كبير!

هذا الواقع برأي عضو الغرفة، يتم في ظل غض الطرف عما يبيعه المستورد وبأي سعر، إذ إن الملاحظ عدم وجود رقابة على الأسعار والدليل هذا الفارق الكبير بين سعر الطن الواحد في سورية مقارنة مع دول الجوار – لبنان مثلاً-  حيث يصل لـ800 ألف ليرة في الطن الواحد، وهذا رقم غير سهل أبداً لمواد تعتبر استراتيجية مثل الأعلاف في الإنتاج الحيواني..!

كذلك لفت قصار إلى موضوع خطير يهدد القطاع في الصميم وهو التراجع الكبير في أعداد قطعان الصوص في سورية، حيث توقف مربوها عن التربية بسبب التكاليف العالية لمتطلبات التربية من كهرباء ومازوت وتبريد وتكييف. .إلخ، خاصة في وضع أصبحت مصادر الطاقة شبه معدومة عندهم، أي أن مربي الأمهات والصيصان أصبح لديهم المشكلات والمعاناة والخسائر ذاتها التي يتحملها مربو الفروج، الأمر الذي أدى إلى إحجامهم عن التربية، ونتيجة لذلك أصبح لدينا صوص غال وأعلاف غالية ووقود وكهرباء غاليين، وفي ظل هذه الثلاثية لم يعد هناك قدرة على تحقيق سعر يتناسب مع الواقع الحالي للتكاليف الكبيرة والمخاطر المناخية الكبيرة الطارئة (كموجة الحر غير المسبوقة التي مررنا بها) التي هددت وتهدد بالأصل هذا القطاع في أي لحظة.

 

بسعر 2500 ليرة..!!!

عضو الغرفة واللجنة أكد أن الجزء اليسير من مخصصات المازوت الزراعي الضروري لهذه الصناعة والذي تعطيهم إياه الدولة لا يشكل إلاَّ 10% من الاحتياجات المطلوبة، مشيراً إلى أن محروقات كانت تحسب سعر الليتر الواحد عليهم واصل للمدجنة بـ 550 ليرة، وتسعيرته عندها 530 ليرة، وهذا الفارق والبالغ 20 ليرة في الليتر يستحيل لصاحب صهريج أن ينقل تلك المخصصات بسعر 550 ليرة.

وعلى ذمة قصار، قال: تفاجأنا اليوم بقرار سعر ليتر المازوت الزراعي بـ 2500 ليرة، وعليه فهذا الجزء اليسير الذي تساعد به الدولة المربيين، تم رفعه 5 أضعاف مباشرة، موجهاً سؤالاً إلى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك والسادة المسؤولين: كيف لأسعار الفروج ألاّ تكون غير منطقية وتصل لأرقام فلكية، وكل هذه التكاليف والشح في المخصصات..؟!، مؤكداً أن المربي هو الحلقة الأضعف، بينما الصحيح أن يكون الأقوى كونه المنتج الأول وعليه تقع كل الأعباء والمعاناة..!

 

سمعنا شيئاً.. لا فعلاً..!

وحول كيفية تفسيره للزيادة في الإنتاج وبنفس الوقت خفض الأسعار، حيث كانت شهدتهما الأسواق خلال الـ 60 يوماً ما قبل الهبة السعرية، أوضح قصار، أنه ونتيجة لما سمعه المربون من وعود جدية بتأمين المخصصات المختلفة وتقديم الدعم الكامل لهذا القطاع، كان هناك حماس لدى الجميع خاصة بعدما قابل العديد من اللجان المسؤولين المعنيين ووزير الزراعة شخصياً بالتنسيق مع مديريات التجارة وحماية المستهلك في المحافظات، ومطالبتهم بعدم ترك المربي لوحده حتى لا يُفلِّس، وتم في ضوء ذلك تسعير الكغ الواحد من الفروج بـ 7 آلاف ليرة وكانت التربية كبيرة وكل المربين متشجعون رغم قلتهم مقارنة بالسابق، لكن تفاجأنا أن العرض أكثر بكثير من الطلب ومديريات التموين التي كانت وضعت تسعيرة للكغ 7 آلاف، ومع ذلك أصبح يباع بـ 5500 ليرة نتيجة لتغلب العرض على الطلب.

بناء على الطارئ غير المتوقع (عرض مع انخفاض الطلب)، ناشد المربون المؤسسة «السورية للتجارة»، لشراء -على الأقل- الفروج من المربين بسعر التكلفة، لأن المؤسسة لديها إمكانيات كبيرة لتجميد الفروج من خلال ثلاجاتها التي يمكن تخزين كميات كبيرة من مادة الفروج فيها وطرحها لاحقاً وقت الطلب للاستهلاك في أي وقت، حيث كانت تكلفة الكغ على المربي حينذاك ما بين 6500 و7000 ليرة، وترجّى المربون المؤسسة القيام بذلك أي شراء الفروج بسعر التكلفة فقط لاستدامة الإنتاج وعدم انهيار القدرة عند المربين، لكن الوعود كانت «خلبية» حيث لم يأت ولم يشتر أحد من المربين وفقاً لمقترحهم، وفوق ذلك قامت المؤسسة بدفع سعر أقل من سعر المسالخ، ما أدى إلى انهيار الجزء المتبقي من قطاع الدواجن في سورية بشكل رهيب جداً – حسب وصف قصار – وبذات الوقت انخفض سعر الصوص لثمن زهيد، لأن المربين كانوا يأملون بتنفيذ الوعود، إلاَّ أن عدم الإيفاء بها أدى بالمربين لبيع الصوص بـ 500 ليرة في حين تكلفته تربيته 2000 ليرة، عندها أحجم مربو الصوص عن التربية والإنتاج ما أدى في نهاية مدة الـ 45 يوماً الأخيرة إلى انخفاض حجم التربية وأصبح الفروج شبه معدوم وأخذ القطاع بالاحتضار وأصبحت الأسعار خيالية، ورغم ذلك لم تغط الأسعار الخيالية ولم تعوض الأرباح معاً الخسائر السابقة للمربين والتي تكبدوها نتيجة لما ذكرنا.

 

تدني المقنن والمخصص..!

في الفوج الحالي الذي يُربى الآن، زادت أسعار الأعلاف بسبب ارتفاع سعر الصرف الموازي وصعوبات استيراد الأعلاف، ونتيجة لذلك انخفض المقنن العلفي الذي تقدمه الدولة، حيث يحتاج الطير الواحد كي يصبح فروجاً لـ 4 كغ علفاً، من 1 كغ إلى نصف كغ ثم إلى 400 غرام لكل طير..!! علماً أن الدورة العلفية تُعطى كل 3 أشهر من المؤسسة، الأمر الذي أثر سلباً على تربية الصوص، وجاءت الحرارة العالية غير المسبوقة لتكمل على القطاع، حيث أدى هذا إلى نفوق ما بين 30- 40% من الطيور حسب المناطق، وذلك بسبب عدم وجود بنية تحتية قوية داعمة لقطاع الدواجن وعمليات التربية، فلا كهرباء ولا مازوت يُعطى للمربين وكل ما يُعطى هي كميات يسيرة لا تكفي لعمل المولدات والخلايا المائية اللازمة للتبريد مع المراوح، حيث تحتاج التربية للكهرباء على مدار الـ 24 ساعة كي لا ينفق الفوج والذي يقدر عدده بما بين 150 – 300 ألف طير وحسب إمكانيات كل مربي.

 

المربون يصرخون..؟

في ظل هذا الواقع المؤلم لما وصل إليه حال القطاع، ارتفعت أصوات المربين لطلب العون ليس للربح بل ليستمروا بالتربية والإنتاج والإبقاء على مساهمتهم بالاقتصاد الوطني، إلاَّ أن «السورية للتجارة» لم تتجاوب مع المربين، ناهيك عن أن تسعيرة مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك لم تكن لتتناسب مع التكاليف الحالية مطلقاً، ورغم أن وزارة الزراعة ومديرياتها كان لها مجهودات لإحداث انفراج في الوضع، لكن لم تستطع وحدها عمل فارق؛ وهذا على ما يبدو نتيجة لعدم تكاتف كل الوزارات والجهات المعنية، وعملها بشكل منفرد لمواجهة أزمة حقيقية تهدد أمننا الغذائي والاقتصادي، والأنكى من ذلك لم نلمس أية آلية عمل صريحة وواضحة لكيفية المواجهة والحل، رغم أن المرحلة وما يمر به القطاع يتطلب العكس، أي يجب أن تكون هناك آلية معلنة وواضحة (خطة عمل وخارطة طريق)، تحدد دور كل جهة ومسؤولياتها بما عليها القيام به منعاً لانهيار القطاع.

 

مناشدة عاجلة..

طرح قصار العديد من المتطلبات (تسهيلات وميزات وإعفاءات)، التي يجب الإسراع في الاستجابة لها كتحرير قطاع الدواجن لتمكين المربي من الاستيراد المباشر للأعلاف من دول الجوار وبسعر التكلفة (حيث الفارق يصل لنحو 800 آلاف ليرة في سعر الطن)، حتى يستطيع المنافسة داخلياً وإقليمياً، لافتاً في هذا السياق إلى ضرورة مبادرة وزارة الاقتصاد – بسبب المخاطر – لتقديم نوع من الاستثناءات منعاً لانهيار القطاع.

وناشد قصار أصحاب القرار بوضع تسعيرة منطقية تأخذ بجدية مجمل التكاليف التي ازدادت بشكل كبير، داعياً إياهم لسؤال القطاع العام المشتغل بالدواجن عن التكاليف الحقيقية وما طرأ عليها من ارتفاعات غير مسبوقة ومنطقية، كما ويسألوه عن الخسائر التي مُنيت بها مؤسساته نتيجة للتحولات الأخيرة، رغم أن الدولة تقدم لها كل ما تطلبه سواء من محروقات وكهرباء وأعلاف ودعم..إلخ.

 

ساعة لا ينفع الندم

وأضاف، إذا كانت المؤسسة العامة للأعلاف غير قادرة على إعطاء المربين مخصصاتهم من الأعلاف، وشركة محروقات كذلك، كل حسب مخصصاته المرخصة، فهذا لا يعني ترك تجار الأعلاف يسرحون ويمرحون في السوق، بفرضهم الأسعار التي يريدون، متسائلاً: هل هناك جهة رسمية ورقابية تُسعِّر الأعلاف للتجار؟ أم أن التسعير والمحاسبة يتمان فقط على المربين لاحتكاكهم المباشر بالمواطن والمستهلك، بينما لا يستطيع أحد محاسبة التجار على أسعارهم..!؟

كذلك هل هناك جهة رسمية.. تستطيع أن تستدعي تجار الأعلاف وتأخذ منهم الكلفة الحقيقية وما نسبة أرباحهم وكيف يسعرون أعلافهم..؟!.

وختم عضو غرف الزراعة والدواجن بالتشديد على الضرورة القصوى لإنقاذ القطاع من خسائره وإلاَّ النتائج المتوقعة لن يحمد عقباها، ونندم ساعة لا ينفع الندم.

Qassim1965@gmail.com

من قطاع كان يشغل نحو 1.5 مليونا وتشكل لحومه 54% من استهلاك السوريين..إلى حال لا يسر عدو ولا صديق..!

“الدواجن” حقائق السيناريو المؤسف لما آل إليه من تراجع في الإنتاج وارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار خلال زمن قياسي..!؟

 

البعث الأسبوعية – قسيم دحدل

من قطاع كان يشغّل 1.5 مليون سوري، وتستثمر فيه نحو 12 ألف منشأة قبل عام 2011، إلى قطاع أضحى اليوم يكابد سكرات الاحتضار، حيث انخفضت عدد منشآته –وفقاً لبعض التقديرات- إلى 1500 منشأة..!.

ومن قطاع كان بحسب إحصائيات رسمية يشكل ثقلاً وداعماً للاقتصاد الوطني من خلال مساهمة لحومه بنحو 54% من إجمالي استهلاك السوريين ، ومن مراتب أولى كان يحتلها تصديراً، ويحتكر أسواقاً إقليمية واسعة وهامة، قبل الأزمة، إلى قطاع يواجه تحديات وصعوبات من كل حدب وصوب، ليصل به الأمر حدَّ قرع ناقوس الخطر محذراً من توقع قرب الانهيار إذا لم تتخذ الجهات المعنية ما عليها لتعيد إليه توازنه وتعوض عليه خسائره الفادحة، وتسهل عمليات الخروج من عنق الزجاجة التي علق به، فما وصلت إليه أسعار الفروج مقلقة جداً، إذ انخفض استهلاكه بنسبة٤٠% بعد أن وصل سعر الكغ الحي منه 9500 ليرة، وقفز كلغ الشرحات من 16 ألف إلى ما بين 25 – 30 ألف ليرة، وعلى إثر ذلك أصبح الشراء بالقطعة وبات الطلب اليوم يتركز على أرخص قطع..!

وبناء عليه نسأل كما كل مواطن: ما هي الأسباب الحقيقية التي أوصلت القطاع لهذا الحد من الضياع..؟

في هذا الملف نسلط الضوء على عدد من الحقائق التي أوصلت قطاع دواجننا إلى هذه الدرك المؤسف حيث مؤشرات التراجع الكبير، وأرقام التربية والإنتاج والخسائر والمنافسة والمساهمة في الاقتصاد الوطني خير دليل على ما آل إليه.

نسلط الضوء بلسان أحد المربين الكبار المكتوين بمآسي هذا القطاع، والذي بدأ حديثه بالتحذير…

 

تحذير وخطير..

أنس قصار عضو اتحاد غرف الزراعة السورية وعضو لجنة مربي الدواجن بدمشق، حذر وبشدة من بداية انهيار قطاع الدواجن في سورية، بعد أن وصل لحد الاحتضار، على إثر انخفاض نسبة المربين إلى 10% نتيجة لما لحق بهم من خسائر كبيرة وارتفاعات أكبر في كلف التربية والإنتاج وتراجع مخصصات هذه الصناعة من أعلاف وأدوية وطاقة وغير ذلك من مستلزمات ومتطلبات الإنتاج الضرورية، ولفت إلى أن هذا الوضع وصل لحدود خطرة تهدد استمرارية الإنتاج، وبالتالي مصير القطاع، مبيناً أن المخصصات لا تغطي سوى 10% من احتياجات وتكلفة إنتاج الفوج الواحد حالياً.

 

أقل من الربع فقط

ومع أن الأعلاف تشكل العمود الفقري لهذا القطاع، يقول قصار: إلاَّ أننا نجد أسعارها تزيد عن دول الجوار بمقدار ما بين 600 و800 آلف ليرة للطن، أي ما نسبته 25% كحد أدنى، مشيراً إلى أن المخصصات التي تعطيها الدولة (مؤسسة الأعلاف) للمربي لا تتعدى في نسبتها 20% من احتياجات التربية، منوهاً إلى تراجع الكميات التي يحصل عليها المربي؛ حيث كان يحصل ومنذ سنة على واحد كلغ ذرة، ثم انخفض المخصص إلى نصف كلغ ليصل حالياً إلى 400 غرام، علماً أن الصوص – وحتى يصبح فروجاً جاهزاً للاستهلاك- يحتاج لـ 4 كلغ. أي أن المربي لا يحصل إلا على ربع الكمية حالياً..!

 

عدم توازن

المشكلة فيما وصلنا إليه في هذه الصناعة وفقاً لما كشفه قصار، تكمن في عدم وجود توازن بين كفتي ميزان التكلفة والسعر، مؤكداً أن المربي اليوم ومهما بلغت قوته وضخامة إمكانياته، لا يستطيع الاستمرار في الإنتاج إذا ما ظل يتحمل وحده أعباء وتبعات الخسارة التي يعاني منها، بسبب الكثير من الأمور التي هو نفسه لا يقدر على تحديدها، فعلى سبيل المثال لا الحصر لا تزال أسعار الأعلاف في صعود لا يمكن وصفه، وهي مستمرة في الارتفاع بشكل مضطرد وهذا ناتج عن ارتباط توفر الأعلاف بعملية الاستيراد والإجراءات التي تحكمها واحتياجاتها من القطع الأجنبي، إضافة إلى مشكلة الترتيب والآلية الطويلة العريضة لعملية الاستيراد وكيفيتها، حيث يسلِّم المستورد جزءاً محدداً وقليلاً من مستورداته لمؤسسة الأعلاف بسعر التكلفة، بينما يقوم ببيع الباقي في السوق الموازية وحسب العرض والطلب، الذي لا يزال لصالحه لناحية احتكار المادة والتحكم بأسعارها !

 

غض الطرف.. وتراجع كبير!

هذا الواقع برأي عضو الغرفة، يتم في ظل غض الطرف عما يبيعه المستورد وبأي سعر، إذ إن الملاحظ عدم وجود رقابة على الأسعار والدليل هذا الفارق الكبير بين سعر الطن الواحد في سورية مقارنة مع دول الجوار – لبنان مثلاً-  حيث يصل لـ800 ألف ليرة في الطن الواحد، وهذا رقم غير سهل أبداً لمواد تعتبر استراتيجية مثل الأعلاف في الإنتاج الحيواني..!

كذلك لفت قصار إلى موضوع خطير يهدد القطاع في الصميم وهو التراجع الكبير في أعداد قطعان الصوص في سورية، حيث توقف مربوها عن التربية بسبب التكاليف العالية لمتطلبات التربية من كهرباء ومازوت وتبريد وتكييف. .إلخ، خاصة في وضع أصبحت مصادر الطاقة شبه معدومة عندهم، أي أن مربي الأمهات والصيصان أصبح لديهم المشكلات والمعاناة والخسائر ذاتها التي يتحملها مربو الفروج، الأمر الذي أدى إلى إحجامهم عن التربية، ونتيجة لذلك أصبح لدينا صوص غال وأعلاف غالية ووقود وكهرباء غاليين، وفي ظل هذه الثلاثية لم يعد هناك قدرة على تحقيق سعر يتناسب مع الواقع الحالي للتكاليف الكبيرة والمخاطر المناخية الكبيرة الطارئة (كموجة الحر غير المسبوقة التي مررنا بها) التي هددت وتهدد بالأصل هذا القطاع في أي لحظة.

 

بسعر 2500 ليرة..!!!

عضو الغرفة واللجنة أكد أن الجزء اليسير من مخصصات المازوت الزراعي الضروري لهذه الصناعة والذي تعطيهم إياه الدولة لا يشكل إلاَّ 10% من الاحتياجات المطلوبة، مشيراً إلى أن محروقات كانت تحسب سعر الليتر الواحد عليهم واصل للمدجنة بـ 550 ليرة، وتسعيرته عندها 530 ليرة، وهذا الفارق والبالغ 20 ليرة في الليتر يستحيل لصاحب صهريج أن ينقل تلك المخصصات بسعر 550 ليرة.

وعلى ذمة قصار، قال: تفاجأنا اليوم بقرار سعر ليتر المازوت الزراعي بـ 2500 ليرة، وعليه فهذا الجزء اليسير الذي تساعد به الدولة المربيين، تم رفعه 5 أضعاف مباشرة، موجهاً سؤالاً إلى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك والسادة المسؤولين: كيف لأسعار الفروج ألاّ تكون غير منطقية وتصل لأرقام فلكية، وكل هذه التكاليف والشح في المخصصات..؟!، مؤكداً أن المربي هو الحلقة الأضعف، بينما الصحيح أن يكون الأقوى كونه المنتج الأول وعليه تقع كل الأعباء والمعاناة..!

 

سمعنا شيئاً.. لا فعلاً..!

وحول كيفية تفسيره للزيادة في الإنتاج وبنفس الوقت خفض الأسعار، حيث كانت شهدتهما الأسواق خلال الـ 60 يوماً ما قبل الهبة السعرية، أوضح قصار، أنه ونتيجة لما سمعه المربون من وعود جدية بتأمين المخصصات المختلفة وتقديم الدعم الكامل لهذا القطاع، كان هناك حماس لدى الجميع خاصة بعدما قابل العديد من اللجان المسؤولين المعنيين ووزير الزراعة شخصياً بالتنسيق مع مديريات التجارة وحماية المستهلك في المحافظات، ومطالبتهم بعدم ترك المربي لوحده حتى لا يُفلِّس، وتم في ضوء ذلك تسعير الكغ الواحد من الفروج بـ 7 آلاف ليرة وكانت التربية كبيرة وكل المربين متشجعون رغم قلتهم مقارنة بالسابق، لكن تفاجأنا أن العرض أكثر بكثير من الطلب ومديريات التموين التي كانت وضعت تسعيرة للكغ 7 آلاف، ومع ذلك أصبح يباع بـ 5500 ليرة نتيجة لتغلب العرض على الطلب.

بناء على الطارئ غير المتوقع (عرض مع انخفاض الطلب)، ناشد المربون المؤسسة «السورية للتجارة»، لشراء -على الأقل- الفروج من المربين بسعر التكلفة، لأن المؤسسة لديها إمكانيات كبيرة لتجميد الفروج من خلال ثلاجاتها التي يمكن تخزين كميات كبيرة من مادة الفروج فيها وطرحها لاحقاً وقت الطلب للاستهلاك في أي وقت، حيث كانت تكلفة الكغ على المربي حينذاك ما بين 6500 و7000 ليرة، وترجّى المربون المؤسسة القيام بذلك أي شراء الفروج بسعر التكلفة فقط لاستدامة الإنتاج وعدم انهيار القدرة عند المربين، لكن الوعود كانت «خلبية» حيث لم يأت ولم يشتر أحد من المربين وفقاً لمقترحهم، وفوق ذلك قامت المؤسسة بدفع سعر أقل من سعر المسالخ، ما أدى إلى انهيار الجزء المتبقي من قطاع الدواجن في سورية بشكل رهيب جداً – حسب وصف قصار – وبذات الوقت انخفض سعر الصوص لثمن زهيد، لأن المربين كانوا يأملون بتنفيذ الوعود، إلاَّ أن عدم الإيفاء بها أدى بالمربين لبيع الصوص بـ 500 ليرة في حين تكلفته تربيته 2000 ليرة، عندها أحجم مربو الصوص عن التربية والإنتاج ما أدى في نهاية مدة الـ 45 يوماً الأخيرة إلى انخفاض حجم التربية وأصبح الفروج شبه معدوم وأخذ القطاع بالاحتضار وأصبحت الأسعار خيالية، ورغم ذلك لم تغط الأسعار الخيالية ولم تعوض الأرباح معاً الخسائر السابقة للمربين والتي تكبدوها نتيجة لما ذكرنا.

 

تدني المقنن والمخصص..!

في الفوج الحالي الذي يُربى الآن، زادت أسعار الأعلاف بسبب ارتفاع سعر الصرف الموازي وصعوبات استيراد الأعلاف، ونتيجة لذلك انخفض المقنن العلفي الذي تقدمه الدولة، حيث يحتاج الطير الواحد كي يصبح فروجاً لـ 4 كغ علفاً، من 1 كغ إلى نصف كغ ثم إلى 400 غرام لكل طير..!! علماً أن الدورة العلفية تُعطى كل 3 أشهر من المؤسسة، الأمر الذي أثر سلباً على تربية الصوص، وجاءت الحرارة العالية غير المسبوقة لتكمل على القطاع، حيث أدى هذا إلى نفوق ما بين 30- 40% من الطيور حسب المناطق، وذلك بسبب عدم وجود بنية تحتية قوية داعمة لقطاع الدواجن وعمليات التربية، فلا كهرباء ولا مازوت يُعطى للمربين وكل ما يُعطى هي كميات يسيرة لا تكفي لعمل المولدات والخلايا المائية اللازمة للتبريد مع المراوح، حيث تحتاج التربية للكهرباء على مدار الـ 24 ساعة كي لا ينفق الفوج والذي يقدر عدده بما بين 150 – 300 ألف طير وحسب إمكانيات كل مربي.

 

المربون يصرخون..؟

في ظل هذا الواقع المؤلم لما وصل إليه حال القطاع، ارتفعت أصوات المربين لطلب العون ليس للربح بل ليستمروا بالتربية والإنتاج والإبقاء على مساهمتهم بالاقتصاد الوطني، إلاَّ أن «السورية للتجارة» لم تتجاوب مع المربين، ناهيك عن أن تسعيرة مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك لم تكن لتتناسب مع التكاليف الحالية مطلقاً، ورغم أن وزارة الزراعة ومديرياتها كان لها مجهودات لإحداث انفراج في الوضع، لكن لم تستطع وحدها عمل فارق؛ وهذا على ما يبدو نتيجة لعدم تكاتف كل الوزارات والجهات المعنية، وعملها بشكل منفرد لمواجهة أزمة حقيقية تهدد أمننا الغذائي والاقتصادي، والأنكى من ذلك لم نلمس أية آلية عمل صريحة وواضحة لكيفية المواجهة والحل، رغم أن المرحلة وما يمر به القطاع يتطلب العكس، أي يجب أن تكون هناك آلية معلنة وواضحة (خطة عمل وخارطة طريق)، تحدد دور كل جهة ومسؤولياتها بما عليها القيام به منعاً لانهيار القطاع.

 

مناشدة عاجلة..

طرح قصار العديد من المتطلبات (تسهيلات وميزات وإعفاءات)، التي يجب الإسراع في الاستجابة لها كتحرير قطاع الدواجن لتمكين المربي من الاستيراد المباشر للأعلاف من دول الجوار وبسعر التكلفة (حيث الفارق يصل لنحو 800 آلاف ليرة في سعر الطن)، حتى يستطيع المنافسة داخلياً وإقليمياً، لافتاً في هذا السياق إلى ضرورة مبادرة وزارة الاقتصاد – بسبب المخاطر – لتقديم نوع من الاستثناءات منعاً لانهيار القطاع.

وناشد قصار أصحاب القرار بوضع تسعيرة منطقية تأخذ بجدية مجمل التكاليف التي ازدادت بشكل كبير، داعياً إياهم لسؤال القطاع العام المشتغل بالدواجن عن التكاليف الحقيقية وما طرأ عليها من ارتفاعات غير مسبوقة ومنطقية، كما ويسألوه عن الخسائر التي مُنيت بها مؤسساته نتيجة للتحولات الأخيرة، رغم أن الدولة تقدم لها كل ما تطلبه سواء من محروقات وكهرباء وأعلاف ودعم..إلخ.

 

ساعة لا ينفع الندم

وأضاف، إذا كانت المؤسسة العامة للأعلاف غير قادرة على إعطاء المربين مخصصاتهم من الأعلاف، وشركة محروقات كذلك، كل حسب مخصصاته المرخصة، فهذا لا يعني ترك تجار الأعلاف يسرحون ويمرحون في السوق، بفرضهم الأسعار التي يريدون، متسائلاً: هل هناك جهة رسمية ورقابية تُسعِّر الأعلاف للتجار؟ أم أن التسعير والمحاسبة يتمان فقط على المربين لاحتكاكهم المباشر بالمواطن والمستهلك، بينما لا يستطيع أحد محاسبة التجار على أسعارهم..!؟

كذلك هل هناك جهة رسمية.. تستطيع أن تستدعي تجار الأعلاف وتأخذ منهم الكلفة الحقيقية وما نسبة أرباحهم وكيف يسعرون أعلافهم..؟!.

وختم عضو غرف الزراعة والدواجن بالتشديد على الضرورة القصوى لإنقاذ القطاع من خسائره وإلاَّ النتائج المتوقعة لن يحمد عقباها، ونندم ساعة لا ينفع الندم.

Qassim1965@gmail.com