من يحرر طلبة الجامعات والمدارس من تجار الملخصات والنوتات؟
البعث الأسبوعية – علي عبود
لم تستطع وزارة التعليم العالي ولا رئاسات الجامعات الحكومية اجتثاث مهنة الاتجار بالملخصات والنوتات الجامعية، ونحن هنا أمام أزمة عمرها عقود وليس بضع سنوات!
وعندما تأتي الأسئلة في الامتحانات النهائية من “النوتات والملخصات” وليس من الكتب الجامعية المقررة، فهذا يثير الريبة ويطرح عشرات إشارات الاستفهام والتعجب!
وبما أن الكثير من الأكشاك وشبه المكتبات تنتشر في محيط الجامعات وتبيع النوتات علناً، فإن ما تكرره الجهات المعنية بأنها تكافح هذه الظاهرة، ليس صحيحا!!
ولعل من أبرز الأسئلة المثارة: من يزود أصحاب المكتبات والأكشاك بنصوص ملخصة للمقررات الجامعية لطباعتها وبيعها لجميع الطلاب إلى حد يمكن القول فيه: باتت الملخصات أساس التعليم الجامعي، باستثناء الكتب التي يؤلفها بعض الأساتذة المحاضرين ويشتريها الطلاب محاباة وليس عن اقتناع!
أمام هذه الأزمة المستمرة بلا أي معالجة جدية يبرز السؤال: ما هو المطلوب من الاتحاد الوطني لطلبة سورية للقضاء على ظاهرة النوتات والملخصات المتجذرة في الجامعات السورية؟
الدكاترة غير متعاونين
والحق يقال إن الطلاب ميالون إلى الاستسهال، فقراءة نوتة وبصمها أسهل بكثير من تصفح كتاب جامعي يتطلب فهمه واستيعابه وتدوين ملاحظات حول بعض الأفكار الواردة فيه لمناقشتها مع الدكتور المحاضر.. عدة أيام وليس ساعات قليلة!
ومع ذلك نسأل: هل يطلب بعض أساتذة الجامعات من طلابهم إعداد ملخص عن فصل من الكتاب المقرر لمناقشته علنا أمام الطلاب؟، ولكن ماذا لو أصر الأستاذ المحاضر على النوتة وليس على الكتاب؟
حسب ما أكد أمين جامعة دمشق مصطفى شاهين فأنّ مكتبات الكليات تحتوي ما يحتاجه الطلاب من كتب علمية بأسعار رمزية، وأنه عندما يكتفي الدكتور الجامعي بطلب نوتة أو محاضرات فهو يستطيع إرسال نسخة منها إلى مديرية الكتب في الجامعة ليتم طباعتها بنسبة تكلفة ١٠٪ من تكلفتها الإجمالية في المكتبات!
والسؤال: هل بيع النوتات بأقل من 10% من المكتبات كاف بالنسبة للطلاب؟
قد يكون السعر مرضٍ فيما لو تعاون الأستاذ المحاضر، لكنهم غير متعاونين برأي أمين الجامعة، ونسأل: ولماذا سيتعاونون وهم يتقاضون نسبة أو مبلغا مقطوعا من النوتات المباعة في المكتبات؟
ولا نفهم من تبرير ما يجري بأنه (من حق الأكشاك والمكتبات الربح فهم مستثمرين، لكن دون استغلال الطلاب بهذا الشكل) .. سوى أن الجهات المسؤولة في الجامعات تغض النظر عن انتشار بيع النوتات بدلا من اجتثاثها والتكفل بطباعتها وبيعها بأسعار مدعومة ومقابل نسبة مالية للأستاذ المحاضر، طالما أن الدافع من بيع النوتات هو مادي، بل هو حق للمحاضر وليس منّة!!
ليست حكرا على الجامعية
وبعد أن كانت النوتات والملخصات ظاهرة مرضية تقتصر على الجامعات فإنها امتدت في العقدين الأخيرين إن لم يكن أكثر لتشمل مناهج شهادتي الإعدادية والثانوية، وانتشارها أكثر من طبيعي فأعداد الطلاب أكثر، وشهية الطلاب لملخصات تحلّ مسائل الرياضيات والفيزياء والكيمياء ..الخ، يرفع ثمنها وخاصة إذا كان أصحابها أساتذة مشهورين، وضمن اللجان التي تضع أسئلة الشهادات.
صحيح إن وزارة التربية تؤكد مرارا وتكرارا بأن الكتاب المدرسي هو المرجع الوحيد، لكنها لم تفعل شيئا لاجتثاث هذه الظاهرة ومعاقبة “أبطالها” وهم يتاجرون بالنوتات والملخصات علنا.
الحجج جاهزة ومقنعة
ولو نظرنا إلى انتشار ظاهرة النوتات والملخصات من جانبها المادي لوجدنا الحجج الجاهزة والمقنعة، فالأستاذ موظف رسمي بالكاد يتقاضى 150 ألف ليرة شهريا ..فماذا سيفعل بها أمام متطلبات العيش الكريم؟
قائمة النفقات طويلة جدا ومكلفة: سكن ومحروقات وأجور نقل وغلاء جميع السلع والخدمات لا يرحم أحداً، والملفت أن ما من مسؤول تربوي أو جامعي إلا ويؤكد: لم نسمح بتدريس أي منهاج خاص أو ملخصات بديلا عن الكتاب المدرسي، وأنه تتم معاقبة كل من يصدرها ويطرحها في المكتبات وفق القوانين الناظمة.. ولكن الواقع يؤكد العكس، والملخصات والنوتات تملأ مكاتب الطلاب، ولا يراجعون سواها!
والسؤال: ما جدوى طباعة 203 عناوين كتب في جامعة دمشق العام الماضي بالإضافة إلى الكتب الراكدة في المستودعات بقيمة 900 مليون ليرة إن لم يستفد منها الطلاب؟
صحيح أن ثمن الكتاب بحدود 5 آلاف فقط لكن إن لم يشجع الأستاذ الجامعي الطلاب على شرائها وإعداد ملخص لبعض فصولها كمادة أساسية في الامتحامات النهائية فلن يشتريها أحد، ولن يفعلها أي أستاذ إن لم كن صاحب الكتاب وله نسبة من المبيعات وهذا حق مشروع.
ويقترح مدير الكتب والمطبوعات توجيه عميدي الكليات لمتابعة موضوع الكتاب الجامعي باعتماده للتدريس وتشجيع الطلاب على اقتنائه وعدم توجههم للنوط والمحاضرات، وتشكيل لجنة في كل كلية مهمتها متابعة مدرسي المقررات ،والتأكيد عليهم باعتماد الكتاب المقرر للتدريس، وأن تشكل لجان مهمتها متابعة الأكشاك التي تسوق النوط والمحاضرات.
لمن الإجراءات الرادعة
ولن نستبعد احتمالية قيام بعض الأساتذة بطرح ملخصات في بعض المكتبات مباشرة أو عبر “طلاب” مقربين منهم ، وإلا من أي مصدر آخر غير الأساتذة تصل مادة النوتات إلى المكتبات؟
لم نسمع مثلا أن أستاذا جامعيا اعترض على بيع ملخص لمحاضراته في الأكشاك والمكتبات، ولو لم يكن الأمر برضاه لقاضى من اعتدى على ملكيته الفكرية، فلماذا لم يفعلها أي أستاذ حتى الآن؟
ولا شك إن طلاب السنة الأولى هم الضحية “الأدسم” إذ يقعون سريعا في شباك مكتبات الملخصات!
وبصراحة آن لإدارات الجامعات الكف عن إصدار تعاميم ورقية بضرورة اعتماد الكتاب الجامعي، فهذه التعاميم لم تساعد ولو 1 % بالقضاء على تجارة الملخصات!
وبدلا من تعاميم رفع العتب، لتجب وزارة التعليم العالي على السؤال: لماذا يعتمد الطلاب على النوتات والملخصات وليس على الكتاب الجامعي؟
والإجابة على هذا السؤال معروفة لكن لم تقم الجامعات بتطوير آليات تكرس الكتاب الجامعي كمادة وحيدة، ومنها مثلا معالجة الكم الكبير من المعلومات في الكتاب الجامعي!
وإليكم مثالا عمليا مستند إلى خبرة: يمكن للأستاذ الجامعي أن يكلف كل طالب بالإجابة على سؤال واحد يلزمه بالعودة إلى الكتاب ليعثر على الإجابة الصحيحة، ويناقش الجواب بعدها من قبل الأستاذ وبمشاركة الطلاب، وستشكل إجابات الطلاب على مدار العام الأسئلة التي ستأتيهم في الامتحانات وكيفية الإجابة عليها، وعندما تنتشر الملخصات داخل الحرم الجامعي فهذا يعني أن كل التصريحات حول اتخاذ إجراءات حاسمة بمكافحتها هراء بهراء!!
لا يكفي إغلاق مكتبة أو اثنتين تتاجر بالملخصات، ولا يكفي إلزام أصحاب المكتبات بكتابة تعهد بعدم بيع أي مادة أو ملخص ، كما لا يكفي التشدد على الأساتذة بعدم إعطاء أي ملخصات لأي مكتبة تحت طائلة فرض العقوبات، فالظاهرة ستستمر إن لم تعالج أسبابها واستنباط حلول تقضي عليها نهائيا .
الخلاصة: استنادا إلى دراستي في الجامعة اللبنانية، وتحديدا كلية الحقوق والعلوم السياسية لم تكن توجد فيها ظاهرة النوتات والملخصات، وكان التنظيم الطلابي يحصل على المحاضرات يوميا من الأساتذة ويقوم بطباعتها وتوزيعها على الطلاب وخاصة غير المواظبين على الحضور مقابل رسم سنوي رمزي لا يرهق أحدا ليستفيدوا منها إلى جانب الكتب المقررة، والسؤال: لماذا لا يتولى الإتحاد الوطني لطلبة سورية هذه المهمة ويقضي من خلالها على الاتجار بالملخصات والنوتات؟