المملكة المتحدة في “أحلك ساعة” تضخم
هناء شروف
من الواضح أن عملية رفع أسعار الفائدة وتقلص الميزانيات العمومية التي شرعت فيها الاقتصادات المتقدمة الكبرى لتخفيف التضخم لديها فشلت في مراعاة الآثار السلبية المترتبة على ذلك على اقتصادات الأسواق الناشئة. من البرازيل إلى المكسيك إلى تركيا، بدأت هذه العوامل الخارجية السلبية تختمر، حيث تتحمل الاقتصادات الناشئة وطأة عجز الإدارة الاقتصادية في العالم المتقدم.
هناك فجوة كبيرة بين الاقتصادات المتقدمة، ودول الأسواق الناشئة في منح العوامل والأساس الاقتصادي والحقوق في أن يكون لها رأي في السوق العالمية. وبما أن الاقتصادات المتقدمة تتمتع بمجموعة أدوات أكثر وفرة لتعزيز الانتعاش الاقتصادي، لذا فهي تتمتع بطبيعة الحال بمزايا أكثر وضوحاً، مما أدى إلى انتعاش عالمي متفاوت، فمثلاً تواجه المملكة المتحدة “أحلك ساعة” تضخم، حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في المملكة المتحدة بنسبة 10.1 في المائة في تموز الماضي عن العام السابق، متجاوزاً متوسط التوقعات عند 9.8 في المائة في مسح لخبراء الاقتصاد وهو أعلى مستوى منذ حزيران 1982.
السبب الرئيسي وراء تجاوز التضخم في المملكة المتحدة هو أن ظل التضخم قد انتشر من الطاقة إلى الغذاء. صحيح أن المملكة المتحدة أقل اعتماداً على الغاز الروسي من أوروبا القارية بحوالي 4٪، لكن المملكة المتحدة بحاجة إلى خطوط أنابيب تحت البحر من الاتحاد الأوروبي لاستيراد الغاز والكهرباء من النرويج، والمعروفة باسم بطارية أوروبا لتعويض نقص الطاقة لديها.
لذلك، أثرت أزمة الطاقة الحالية في الاتحاد الأوروبي بشكل غير مباشر على بريطانيا، حيث يتعين عليها شراء الكهرباء من سوق تداول الكهرباء بخمسين ضعف السعر العادي، وهي علاوة تتماشى بشكل عام مع ارتفاع أسعار الغاز الأوروبية حتى الآن من عام 2021. وفي ظل الطقس الحار والجاف أعلنت النرويج مؤخراً أنها ستدرس إجراءات للحد من الصادرات لمنع حدوث نقص في الطاقة المحلية.
أخيراً بدأت أسعار الطاقة المرتفعة تتغذى على صناعة المواد الغذائية، وقال مكتب الإحصاءات الوطنية إن ارتفاع أسعار منتجات المخابز، ومنتجات الألبان، واللحوم، والخضروات، وأغذية الحيوانات الأليفة، والوجبات السريعة أدى إلى ارتفاع التضخم في شهر تموز الماضي.
لقد أدى التضخم المرتفع إلى انخفاض بنسبة 3 في المائة في الأجور الحقيقية لسكان المملكة المتحدة، وهو أكبر انخفاض منذ أن بدأت السجلات في عام 2001. هنا يجادل بعض الاقتصاديين المتشائمين بأن مستويات المعيشة قد تراجعت بالفعل إلى ما كانت عليه قبل عقود، ومما زاد الطين بلة أن نقص العمالة في المملكة المتحدة أصبح أكثر حدة.
على الرغم من أن حوالي 1.1 مليون شخص قد عادوا إلى المملكة المتحدة أو ذهبوا إليها منذ أن بدأ جائحة كوفيد 19، إلا أن البلاد لا تزال تفقد حوالي 550.000 عامل، ومن المتوقع أن يبلغ التضخم في البلاد ذروته عند 13.3٪ في تشرين الأول القادم.
كل الدلائل تشير إلى أن حكومة المملكة المتحدة غير قادرة على التعامل مع التضخم، حيث من المرجح أن يسقط الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة في حالة ركود مماثلة لتلك التي حدثت في عام 2020 والتي من المرجح أن تستمر لمدة 15 شهراً حتى أوائل عام 2024.
وهكذا أصبح من الصعب بشكل متزايد تنسيق مجموعة أدوات السياسة للحفاظ على النمو الاقتصادي واستقرار الأسعار والعمالة الكاملة وميزان المدفوعات الدولي.