ماذا لو اختفت من الوجود..؟
علي عبود
ما من اجتماعٍ لمجلس محافظة دمشق إلا وتكون “السورية للتجارة” على جدول أعماله، البعض يصفها بالمؤسّسة الفاشلة، والبعض الآخر يطالب بتأجير صالاتها للقطاع الخاص، في حين يصرّ أعضاء آخرون في المجلس على إلغائها من الوجود، أي ترك السوق للتجار حصرياً دون أي منافس حكومي!.
كذلك صفحات التواصل الاجتماعي، فهي تسخر على مدار الساعة من المؤسّسة، مثلما تسخر من البطاقة الذكية، ولا تسلمُ المؤسّسة أيضاً من الألسن في أي اجتماع بين اثنين أو أكثر، حتى الإعلام لا يُقصّر بانتقاد عمل “السورية للتجارة”، والنتيجة التي يخلص إليها الجميع واحدة: لا أحد راضياً عن أداء صالات التدخل الإيجابي!!.
وإذا كان عدد كبير من المنتقدين والمهاجمين والساخرين يرى أن “السورية للتجارة” لا تقوم بدورها الفعّال للتخفيف من الأعباء المادية التي ينوء بثقلها ملايين الأسر السورية، فإن عشرات الآلاف من الفلاحين يرون أيضاً أن “السورية للتجارة” لا تساعدهم في تسويق إنتاجهم، وتتركهم في قبضة السماسرة، و”الضمينة” وتجار سوق الهال.. إلخ.
والحق يُقال إن الجزء الأكبر من الانتقادات والهجوم والسخرية صحيح تماماً، ولا يوجد أحد باستثناء مسؤولي وزارة التجارة الداخلية يدافع عن “السورية للتجارة”، ويحاول أن يردّ ما أمكن من السهام والنصال التي لا يتوقف رميها باتجاهها على مدار اليوم!! حسناً، قلّة من متابعي أسعار وحركة السلع في السواق تجرؤ على طرح السؤال: ماذا سيحصل لو اختفت “السورية للتجارة” من الوجود جزئياً أو كلياً؟.
الاختفاء الجزئي قائم منذ عدة أشهر، وتجسّد بغياب المواد الأساسية من صالات “السورية للتجارة” كالسكر والأرز والزيت النباتي.. فماذا كانت النتيجة؟.
ارتفع سعر كيلو السكر إلى 5 آلاف ليرة، والأرز من النوعيات أقلّ من المتوسطة إلى 10 آلاف، وليتر الزيت إلى 15 ألفاً في حال توفره لدى بعض الباعة، وكيلو السمنة النباتية إلى 20 ألفاً، والشاي إلى حدود الـ40 ألفاً.. إلخ.
وفي حال لم تتدارك وزارة التجارة الداخلية الوضع الشاذ، وتستجرّ الحدّ الأدنى من هذه المواد وتوزيعها شهرياً، وليس على شكل دفعات كلّ أربعة أشهر مرة، فإن أسعار جميع المواد الأساسية، سواء المدعومة أو الحرة، سترتفع إلى مستويات جنونية ليس بمقدور ملايين الأسر السورية اللحاق بها مهما زاد دخلها المحدود.
ويمكن لأيّ منصف أن يلاحظ أن أسعار السكر والأرز والزيت تنخفض في الأسواق مع بدء عملية توزيعها بكميات وافرة عبر الرسائل الإلكترونية، ولو كان التوزيع شهرياً لاقتربت أسعارها الحرة من المدعومة، أي كان التّجار والصناعيون سيضطرون لبيعها بربح بسيط غير جشع.
وإذا أخذنا أسعار اللحوم التي تُباع في بعض صالات السورية فإنها أقلّ بخمسة آلاف عن مثيلتها في السوق، والسؤال: إلى أي سعر ستستقرّ اللحوم في حال قرّرت وزارة التجارة التوقف عن بيعها للمستهلك؟. نعم، “السورية للتجارة” مقصّرة بتسويق إنتاج الفلاحين ومربي الدواجن، وخاصة ما يتعلّق بالحمضيات، ولكن ماذا عن تقصير الجهات الحكومية الأخرى، وغرف التجارة التي لا تتحرك لإيجاد أسواق خارجية لفائض إنتاجنا؟.
إمكانيات “السورية للتجارة” محدودة لاستجرار المواد الزراعية، فليس جائزاً أن تشتري المحاصيل لتقوم بتخزينها، أي نقل المشكلة من المنتجين إلى “المستودعات”، ومع ذلك يبقى السؤال: ماذا لو لم تستجرّ المؤسّسة كميات مهما كان حجمها متواضعاً؟.
لقد ارتفع سعرُ الحمضيات مثلاً بعد بدء استجرارها في ذروة الموسم، وجنّبت المزارع الكثير من الخسائر، ولو واكبت عمليات الاستجرار عمليات تصدير جدية لربح الفلاح والتاجر والمؤسّسة، ولما تحمّلت المؤسّسة وحدها مسؤولية تقصير ترك الفلاح وحيداً يواجه الكوارث والنكبات!.
الخلاصة: لا مصلحة لملايين العاملين بأجر ولا لعشرات الآلاف من المزارعين اختفاء “السورية للتجارة” من الوجود، أي بإلغائها كلياً، فإذا كان اختفاء مواد أساسية من صالاتها أشعل أسعارها الحرة، فماذا سيحصل لكلّ المواد دون استثناء، أساسية كانت أم ثانوية أو هامشية، في حال قرّرت الحكومة التخلّص من المؤسّسة وإغلاق صالاتها إلى أمد غير منظور، كما حصل في بعض السنوات السابقة؟!!.