سياحة.. ولكن؟!
معن الغادري
كلّ من قصد حلب سابقاً وحاضراً يرى فيها تنوعاً خاصاً واختلافاً واضحاً عن غيرها من المدن، لغنى مجتمعها وتراثها وتاريخها وأسواقها وأبوابها وخاناتها، والأهم “قلعتها” التي احتضنت مؤخراً عدداً من الحفلات الفنية أحيتها نخبة من الفنانين المعروفين، ما أعطى أكثر من دلالة على عودة الحياة والفرح لهذه المدينة بعد أن عاشت سنوات عزلة وحصار جراء الإرهاب.
والجميل في مشهد الفرح الحلبي المتنامي أنه يتزامن مع حركة نشطة في الجانب الاقتصادي بشقيه الصناعي والتجاري.. هذه الحركة لاقت كل الدعم والاهتمام على المستوى الرئاسي والحكومي، وتوج ذلك بإصدار مراسيم وقرارات داعمة للعملية الإنتاجية، خصص لها مليارات الليرات لتنفيذ حزمة من المشاريع الحيوية ولاستكمال ما تعثر منها في الآونة الأخيرة لأسباب عدة.. جزء من هذه الأسباب ارتبط بضعف الإمكانات والتمويل، والجزء الأكبر منها كان مرده فشل الدراسات والخطط والبرامج، بما حملته من قصور وإهمال وفساد إداري ومالي.
مما سبق، وفي زحمة هذا الحراك الاقتصادي والفني والاجتماعي، يبرز دور القطاع السياحي المكمل للمشهد الاقتصادي. والسؤال الذي يطرح نفسه ضمن هذه المعادلة: ما هو موقع القطاع السياحي بحلب حالياً ضمن خريطة العمل؟ وماذا عن الخطط والبرامج المعلنة قبل سنوات لتنشيط الحياة السياحية؟ وهل سيقتصر دوره على منح -وزارة السياحة- رعايتها لإقامة الحفلات الفنية في القلعة، أم أننا سنشهد نهضة حقيقية لهذا الملف الحيوي والذي من شأنه أن يكمل الحلقة المفقودة ضمن سلسلة عملية النهوض؟
لا شك أن تعافي القطاع السياحي ودخوله على خط المنافسة في سباق مشروع إعادة الإعمار، كواحد من أهم قاطرات النمو في هذه المرحلة المفصلية، يتطلب مضاعفة الجهود واستنهاض كل الطاقات والتركيز أكثر على الجانب الإنمائي والاستثماري كمحرك وداعم لعملية النهوض. وهنا تفرض الضرورة التحرك وبخطى واثقة وجدية من قبل وزارة السباحة ومديريتها في حلب، وذلك من خلال تحديث الخريطة السياحية في المحافظة ووضع مخرجات ومقررات الاجتماعات والملتقيات السابقة موضع التنفيذ والتطبيق، بغية خلق بيئة سياحية ناشطة، والأهم الإفادة القصوى من غنى مدينة حلب القديمة، وبما يتلاءم مع مقومات كل موقع، وتهيئة كل الظروف والمناخات المناسبة لإطلاق العملية الاستثمارية على نطاق أوسع، وتقديم المحفزات المطلوبة لتسريع عودة المستثمرين ورؤوس الأموال المهاجرة. ونعتقد أن حلب القديمة وقلعتها بما تملكه من خصوصية وجمالية فاتنة وساحرة قابلة لأن تكون حاضنة لعشرات المشاريع السياحية، وأن تكون مدينة سياحية متكاملة وقبلة للسياح والزوار من داخل وخارج الوطن، لا أن ينحصر المشهد السياحي الحالي على أهميته بإقامة الحفلات الفنية على مسرح القلعة وحسب.
هنا نرى أهمية وضرورة وضع رؤية واضحة مدعمة بالدراسات الفنية والإنشائية والقانونية وبمواصفات ومعايير حديثة ومتطورة لإتمام عمليات التأهيل والترميم لكافة المواقع المتضررة، وتحديداً “السرايا القديمة” و”الهجرة والجوازات” و”الإعداد النقابي” و”مبنى الخدمات الفنية”، و”محيط القلعة”، والعمل على توفير بنية خدماتية متكاملة، مع التأكيد على ضرورة أن تكون الشراكة بين الجهات المعنية على أعلى مستوى من المسؤولية لتحقيق الأهداف المرجوة في الميدان وليس على الورق فقط.