بعد مخاوف البرد وخسارة النفوذ في شمال أفريقيا.. ماكرون يهرع نحو الجزائر
“البعث “الأسبوعية” – بشار محي الدين المحمد
خلال صراعه المحفوف بالمخاطر نحو البقاء في السلطة، حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رفع أسهمه بمهاجمة الجزائر باعتبارها تملك أكبر جالية في فرنسا، فصرّح “لا أمة جزائرية قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر 1931″، متجاهلاً عراقة هذه الدولة ومسيئاً لشعبها، ما أحدث تداعيات بين الطرفين كقيام الجزائر بمنع الطيران الفرنسي من استخدام أجوائها وتشدّد ماكرون بمنح التأشيرات للجزائريين.
وحالياً أقدم ماكرون على زيارة الجزائر علماً أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون دعاه لزيارة بلاده منذ شهر نيسان الماضي، مؤكداً أن الرؤية الجديدة مبنية على توازن المصالح فيما يتعلق بالذاكرة وبالعلاقات الإنسانية والمشاورات السياسية والتعاون الاقتصادي في كل مستويات العمل الثنائي، بهدف فتح آفاق واسعة من الصداقة والتعايش المتناغم في إطار المنافع المتبادلة بين الجزائر وفرنسا، إلا أن الرئيس الفرنسي تأخر في قرار الزيارة التي جرت نهاية الأسبوع الماضي، وفي توقيت لافت، فأوروبا الآن على أعتاب شتاء بارد بعد إصرارها على إشعال فتيل الحرب ودفع أوكرانيا لمواجهة روسيا ما سبّب حرمانها من دفء الغاز الروسي، مع استفحال ملفات أخرى مهمة كالانسحاب الفرنسي من مالي ووسط الصحراء التي تنتشر فيها التنظيمات الإرهابية “داعش” و”القاعدة”، ولا يخفى الدور الكبير للجزائر في محاربتها، وخاصةً أن الأخيرة على تماسٍ حدودي مع مالي، ومع النفوذ الروسي المتزايد في أفريقيا، حيث تلعب الجزائر دوراً محورياً في المنطقة نظراً لامتداد حدودها آلاف الكيلومترات مع مالي والنيجر وليبيا، كما أنها مقربة من روسيا.
وقال وزير الدفاع الجزائري: “هذه الزيارة ستمكننا دون شك من تبادل وجهات النظر، بطريقة صريحة وبراغماتية حول مواضيع الساعة والملفات ذات الاهتمام المشترك”، مؤكداً أن هذه الملفات تطوّرت خلال السنوات الأخيرة لجهة تزايد التهديد الإرهابي في أفريقيا على العموم، وفي الساحل الصحراوي بشكل خاص، إضافةً إلى تفاقم الجريمة المنظمة العابرة للحدود كالاتجار بالمخدرات والأسلحة والبشر والتهريب بالتواطؤ مع التنظيمات الإرهابية.
كذلك أكد الرئيس الجزائري أن المباحثات مع نظيره الفرنسي شملت الوضع في ليبيا المجاورة إلى جانب مالي ومنطقة الساحل، في مسعى لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وكانت واضحة مخاوف الرئيس ماكرون وقلقه من تنامي دخول روسيا إلى أفريقيا وخاصةً بعد الانقلاب في مالي والانسحاب الفرنسي منها، بشكل يلغي النفوذ الفرنسي في بوابة شمال أفريقيا، ويبدو أن ماكرون قرّر إعادة التموضع الفرنسي في هذه المنطقة المهمة بأشكال مختلفة وربما تكون الاستثمارات الاقتصادية أبرز أشكالها في وقت قريب.
كذلك تتزامن زيارة ماكرون مع المحاولات الحثيثة للسياسيين الألمان للبحث عن بديل للطاقة الروسية، بعد فشل محاولات وزيارات المستشار الألماني أولاف شولتس في العثور على بديل، حيث زارت وزيرة الخارجية الألمانية المغرب بهدف تنشيط الاستثمارات في شمال أفريقيا في مجال الهيدروجين الأخضر وفي ظل نزعة ألمانيا نحو الطاقات البديلة وإعادة فتح المفاعلات النووية ورغبتها أيضاً بإيجاد تموضع أو تمركز لها في بوابة شمال أفريقيا.
وقد حاول ماكرون الاعتراف ولو بشكل جزئي برغبته في الحصول على الغاز من الجزائر، قائلاً: “الجزائر تساهم في تنويع مصادر إمدادات الغاز لأوروبا”.
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن إيطاليا عقدت صفقات مع الجزائر بمليارات الدولارات لتستورد منها الغاز، وعلّق ماكرون على الموضوع بنفي فرضية أنه سينافس إيطاليا على الغاز الجزائري، مدّعياً في تصريحاته أن لديه مصادر أخرى وهي تشكل احتياطياً كاملاً لفرنسا من الغاز.
وتتعاظم أهمية الجزائر كونها بين أكبر عشرة منتجين للغاز في العالم، وصرّحت شركة سوناطراك أن أرباح النفط والغاز خلال عام 2022 ستصل إلى 50 مليار دولار، مقارنة بـ 34 مليار دولار العام الماضي، وتلبّي الإمدادات الجزائرية أكثر من ربع الطلب على الغاز في إسبانيا وإيطاليا، وتعدّ شركة سوناطراك ثالث أكبر مصدّر غاز لأوروبا بعد روسيا والنرويج، وتساهم الجزائر بنحو 11 بالمئة من احتياجات الغاز في أوروبا بشكل عام.
وخلال الزيارة أعلن الرئيس الفرنسي ونظيره الجزائري عن تشكيل لجنة مؤرخين مشتركة، للنظر معاً في تلك الفترة التاريخية من بداية الاستعمار (1830) حتى الاستقلال (1962)، وأوضح ماكرون أن الفكرة هي تناول الموضوع دون محظورات، مع الرغبة في إتاحة الوصول الكامل إلى الأرشيف الفرنسي.
ويبقى السؤال هنا: هل سينجح ماكرون في اتخاذ خطوة تاريخية كالاعتذار عن احتلال الجزائر أو البحث في دفع تعويضات للضحايا؟ رغم أن أحفاد المحاربين القدامى الفرنسيين في تلك الحرب ما زالوا على قيد الحياة، ولا تزال باريس حتى اللحظة تعترف بصحة الأهداف التي حاربوا من أجلها؟!