مجلة البعث الأسبوعية

بحار الأيقونة الياس الزيات يأخذ ألوانه وخطوط أطيافه إلى عالم آخر

جمان بركات

كان الفنان إلياس زيات يميل إلى الفن القدسي في الفن السوري القديم، وذلك من خلال استخدامه لتقنيات الألوان، أو من خلال اختيار شكل الملابس وطراز العمارة بما تحويه من رموز، وقد استعارها إلياس الزيات من الحضارة السورية القديمة، فهو أيقونةً من أيقونات الفن السوري خاصة والعربي عامة، وقبل عدة أيام فقد الفن السوري هذه الأيقونة عن عمر ناهز 87 عاماً، أنجز خلال مسيرته الفنية الطويلة عدداً كبيراً من اللوحات الفنية التشكيلية، وأقام عدداً كبيراً من المعارض، واقتنت أعماله عدد من الجهات العامة والخاصة سواء كمؤسسات أو أفراد.

لقبّه وسط الفن التشكيلي بالمعلم والأب، فكتب الياس الحاج على صفحته الشخصية: “المعلم كما هو لقبه.. وبحار الأيقونة والطيف كما يحلو لي أن أدعوه.. كان آخر لقاء بيننا بصحبة الناقد سعد القاسم في معرضه الآسر بباب توما.. أ.د.المعلم الياس زيات في قلب الله.. بالملكوت يارب.. ليكن ذكره مؤبداً، أخذ ألوانه وخطوط أطيافه إلى عالم آخر”.

وعنون الفنان موفق مخول رحيله بـ”الوداع هو عنوان الحياة”:

كل فتره ينزل راكب من قطار الحياة ويترك حقائبه الإنسانية ومذكراته وإنجازاته ويذهب من دون وداع، لقد ترك لنا كثير من الذكريات وحقائب الحب والجمال والإنسانية والإنجازات الفنية في هذا القطار.

ووصفه الفنان نبيل السمان بالأب وقال:

وداعا الياس زيات.. المعلم.. والأب.. والرفيق.. سأشتاق لوجهك الصبوح.. ولحوارنا الذي لم ينته عن التاريخ.. وعن سورية التي أحبتك.. ستشتاقك دمشق بكل تفاصيلها.. وقاسيون… ستشتاقك الألوان والأيقونات.. والمريمات.. وتدمر.. لروحك السلام.

حياته

ولد الزيات في دمشق عام 1935 وهو أحد مؤسسي كلية الفنون الجميلة بدمشق، تخرّج من قسم التصوير الزيتي في أكاديمية الفنون الجميلة في العاصمة البلغارية صوفيا عام 1960، ثم أكمل دراسته في كلية الفنون الجميلة في القاهرة. وفي عام 1973، تخرّج من أكاديمية الفنون الجميلة في بودابست باختصاص الترميم الفني ثم انتقل إلى سورية، وقام بالتدريس فيها منذ تأسيسها وحصل على رتبة أستاذ منذ عام 1980، وشغل منصب رئيس قسم الفنون ووكيل الكلية للشؤون العلمية أثناء عمله فيها وخلال هذه الفترة نشر العديد من المقالات عن الفن والترميم، وألف كتاب “تقنية التصوير ومواده” لصالح طلبة الكلية وصدرت الطبعة الأولى من جامعة دمشق عام 1981-1982 .

ومثل الزيات جامعة دمشق في اتفاقية التعاون مع جامعة لايدن الهولندية لدراسة الفن في سورية في الحقبتين البيزنطية والإسلامية وذلك لمدة أربع سنوات ونتيجة ذلك أصدر كتاب في لايدن عام 2000 باللغتين العربية والإنكليزية، وعمل خبيراً في هيئة الموسوعة العربية في سورية لتحقيق موضوعات العمارة والفنون منذ عام 1995-2001 وكان عضواً في مجلس إدارة احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية عام 2008 كمسؤول عن معارض الفن التشكيلي.

تنوعت تجربة الفنان واختلفت أساليبه، لكنه حافظ على أصالة أعماله وجماليتها، فقد كانت بداياته بالواقعية الأكاديمية، مروراً بالتعبيرية الرمزية، وصولاً إلى التجريدية، إن أعماله الفنية هي أعمال غنية بالمؤثرات البصرية الجميلة والحيوية.

تعلق إلياس زيات بالمدن مثل دمشق والقدس، فغالباً ما يستعملها ليصور من خلالها أساطيره وحكاياته الملحمية، جامعاً فيها الأشياء المتناقضة.

رسم الزيات كل شيء، غير أنه احتاط ألا يكون تجريدياً في رسومه تبدو الحياة طازجة، لا يزال النهار في أوله، تذكر رسومه بالمشاهد التي يراها الفلاحون وهم يخرجون إلى الحقول مع الفجر.

وأعماله مقتناة من قبل وزارة الثقافة السورية، والمتحف الوطني بدمشق، ومتحف دمّر، والقصر الجمهوري، ووزارة الخارجية السورية، ومعهد العالم العربي ـ باريس، وضمن مجموعات خاصة.

له أعمال ساهمت بشكل كبير في توجيه فن التصوير السوري إلى الحداثة من خلال بحثه الدائم في موروثنا الثقافي السوري إلى جانب إصراره على علاقة الإنسان بالمدينة، لذا عمل من خلال لوحاته على تمجيد شخصيات إنسانية لها أثرها في بناء الحضارة منهم كان “جبران خليل جبران”.