مجلة البعث الأسبوعية

حرب أوكرانيا.. استعادة “أمينة” لأكاذيب “السطو على العراق”

البعث الأسبوعية – أحمد حسن:

للعلاقات الدولية –سلماً أو حرباً- مفارقاتها و”عجائبها” المعروفة و”أكاذيبها” الشهيرة، وإذا كانت عملية “السطو على العراق” قد شهدت أشهرها من قبيل ما اقترفه كل من “توني بلير” و”كولن باول” تحت قبة الأمم المتحدة، فإن الحرب الروسية -الغربية لا تشذّ عمّا سبق، وإذا كان “جو النعسان” -عدوّ الدولة الأمريكية كما وصفه ترامب وعدوّ العالم كما يتطلب منصبه- وتابعه “زيلينسكي” سيّدَي عجائب وأكاذيب هذه الحرب، فإن بطل أحدث “المحطات” وأغربها كان مفوّض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي باولو جنتيلوني الذي أعرب خلال الأيام الماضية وبعد توقّف ضخ الغاز عبر “نورد ستريم2” عن “توقعه” أن تحترم موسكو عقود الطاقة التي أبرمتها مع الأوروبيين!.

وبالطبع فإن “المنافسة” المستعرة في ميدان “العجائب” هذا، دفعت المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي للمشاركة في سباق النفاق هذا عبر إبداء “أسفه” على “أن تستمرّ روسيا في استخدام الطاقة سلاحاً ضد المستهلكين الأوروبيين”!.

 

فضائح سلاح الأكاذيب الشامل

وجه الدهشة هنا أن واشنطن تحديداً هي من بدأت في هذه الحرب وما سبقها من حروب -وحتى في مراحل السلم الكاذب- في استخدام الاقتصاد كسلاح دمار شامل ضد الشعوب دون أن “تأسف” يوماً لذلك، وأن “الرجل” الذي يمثل أوروبا اقتصادياً كما يدلّ منصبه على ذلك، لم يحترم، هو وأمثاله، وحتى قبل الحرب الأوكرانية مصالح شعوبهم في علاقة تشبيك وتكامل اقتصادي وسياسي مع الروس كما طالبت موسكو مراراً وتكراراً، بل نبذوها بداية وسارعوا، نهاية، للمشاركة، ولو مذعنين، بشيطنتها وخنق اقتصادها باستخدام شتى أنواع العقوبات الممكنة وآخرها السعي لفرض سعر محدّد لنفطها، ما يعني، بالمحصلة أنهم، أي الأوروبيين، يدفعون فاتورة محاولة واشنطن تدمير روسيا وخضوعهم المذلّ لذلك وليس العكس على الإطلاق.

 

بيد أن “الأغرب” ممّا سبق أن يعلن “الرجل الاقتصادي” ذاته أن أوروبا “مستعدّة لمواجهة التحدّي بفضل التخزين وإجراءات اقتصاد الطاقة”، وإذا كانت شعوب أوروبا هي أول من ينكر هذا التصريح وذاك “الاستعداد” وهي تدفع يومياً، من مستوى معيشتها، فاتورة الحرب، فإن “القادة” أيضاً يبدون وفي فمهم ماء وهم يتكلمون عن الخسائر وعن “التقنين” القادم حتماً، ويجدر بنا، لنعلم حجم الإرباك والعجز الذي أصاب القارة العجوز وحجم “الاستعداد” الذي يدّعيه “المفوّض الاقتصادي”، الاستماع إلى نائب وزير الطاقة السابق في بلغاريا، يافور كويومدجييف، وهو يتحدّث عمّا سيصيب بلاده بسبب “الغباء الذي ترتكبه السلطات فيما يتعلق بروسيا”، قائلاً: “عندما نتخلى نحن أنفسنا عن العقد (مع روسيا) الذي يضمن لنا التزوّد بالوقود والقدرة على التنبّؤ، يحدث ما نراه الآن. هذا هو أكبر غباء يمكن القيام به، وهو الشراء من السوق، والتخلي عن عقد طويل الأجل بأسعار يمكن التنبّؤ بها”، لكن ما أضافه هو الأهم حين قال: “إن ما نشهده في السوق الآن هو جنون، وعملياً عادت بلغاريا لشراء الغاز الروسي نفسه مرة أخرى، لكن من السوق العالمية وبأسعار مرتفعة”!.

 

موسكو تربح من العقوبات

أما الصحفي الفرنسي، فرانسوا لينجليت، فكان أكثر تحديداً حين قال: “لقد دفعت الدول الأوروبية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من 86 مليار يورو منذ 24 شباط. إنها 3700 يورو كل ثانية”، أي أن روسيا تربح من العقوبات كما قال الصحفي ذاته مفسّراً “أنه بعد فرض العقوبات بسبب الصراع في أوكرانيا، زاد دخل روسيا من صادرات الوقود بنسبة 40٪، وبفضل العقوبات الغربية ارتفعت الأسعار، ما أثار المضاربة في الأسواق العالمية”.

وقال لينجليت: “إن حجم التداول أصغر قليلاً ولكن بأسعار أعلى بكثير، ما يعني جني الكثير من الأموال”، مضيفاً: إن روسيا “غارقة بالمعنى الحرفي في الأموال”.

 

وبالمحصلة

نعوم تشومسكي، المؤرخ والفيلسوف الأمريكي، قال صراحة: إن الولايات المتحدة التي تدعم كييف وتسعى لتثبيت تحالف الدول الغربية ضد موسكو، “تحاول بهذه الصورة إضعاف مواقع روسيا لأقصى حدّ ممكن”، لكن واشنطن تجاوزت مرحلة الإضعاف إلى مرحلة الإلغاء الوجودي لفكرة روسيا القوية بأسرها، وفي سبيل هذا الهدف لا يهمّ أمريكا معاناة الحليف الأوروبي الواضحة، بل من الواضح لمن يقرأ في المشروع الإمبراطوري أن هذه المعاناة هدف آخر لواشنطن، فهي لا تريد إلا التابعين الضعفاء، وهذا ما كان على “المفوّض الاقتصادي” لبروكسل أن “يتوقّعه” كي يفهم أين مصلحة أوروبا ممّا يحصل.