مجلة البعث الأسبوعية

كيف تؤثر أوقات وجباتك على صحتك العقلية.. تناول الطعام ليلاً يزيد مشاعر القلق والاكتئاب

“البعث الأسبوعية” – لينا عدرا

خلال فترة 40 عاماً، يقضي الإنسان نحو 21.600 ساعة أكل تقريباً، ما يوازي عامين و4 أشهر، إذ أن معدل الوقت المستغرق في الوجبة الواحدة يومياً، يصل إلى 30 دقيقة على الأقل، ما يعني أنه يحتاج إلى 90 دقيقة يومياً لتناول 3 وجبات، وبالتالي شهرياً يحتاج إلى 45 ساعة، ما يوازي سنوياً نحو 540 ساعة أكل، وبالتالي خلال فترة 40 عاماً، يستغرق عامين وأربعة أشهر. وطبعاً قد تمتد هذه الأوقات إلى ما هو أكثر بكثير، وخاصة في المنطقة العربية حيث يتحول تناول الطعام في بعض الأحيان إلى طقس احتفالي.

بالنسبة للفرنسيين، تعتبر الوجبات عملاً جاداً. ووفقاً لأرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يقضي الفرنسيون ما معدله 2.13 ساعة يومياً في الأكل والشرب. وهذا هو ضعف طول الأمريكيين، وأربعين دقيقة أطول من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأخرى. بناء على ذلك، وإذا كان عملك يتطلب معدلاً عالياً من الحرص والاتقان، فإن عليك عدم العمل في أي وقت، ووفقاً لدراسة حديثة، فإن أوقات الوجبات لها تأثير مباشر على الصحة العقلية.

في الولايات المتحدة، وجد باحثون في مستشفى بريغهام، في بوسطن، في دراسة لهم، أن تناول الطعام أثناء النهار يمكن أن يفيد الصحة العقلية. وعلى العكس من ذلك، فإن تناول وجبات الطعام في الليل – بالنسبة للعاملين في جداول متداخلة، مثلاً – من شأنه أن يزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق. وفي التفاصيل، وجد العلماء أنه بين وجبات النهار والليل، زادت مستويات المزاج المكتئب بنسبة 26٪ ومستويات المزاج القلق بنسبة 16٪. وعلى العكس من ذلك، فإن أولئك الذين يتناولون وجباتهم فقط خلال النهار لم يبلغوا عن هذه الظاهرة.

 

أهمية الإيقاع اليومي

شملت الدراسة، التي نشرت في مجلة “حوليات الأكاديمية القومية للعلوم”، 19 شخصاً، خضعوا جميعاً لإلغاء التزامن الإجباري مع الضوء الخافت لمدة أربع فترات مدتها 28 ساعة. وفي النهاية، انعكست الدورات تماماً.. تم تشكيل مجموعتين تناولتا الوجبات في أوقات مختلفة. وقام الفريق بتقييم مستويات المزاج المكتئب والقلق كل ساعة.

“قدمت نتائجنا دليلاً على أهمية توقيت الوجبة”.. أوضح مؤلف هذه الدراسة، فرانك إيه جيه إلـ شير، مدير برنامج علم الأحياء الزمني الطبي، قبل أن يضيف بأن “توقيت تناول الطعام يمثل استراتيجية جديدة لتقليل احتمالية ضعف الحالة المزاجية لدى الأشخاص الذين يعانون من اختلال في ساعتهم البيولوجية، مثل عمال المناوبات، أو الذين يعانون من اضطراب الرحلات الجوية الطويلة، أو اضطرابات إيقاع الساعة البيولوجية..

إيقاع الساعة البيولوجية.. ما الذي نتحدث عنه؟! في جسم الإنسان، يتم تنظيم الوظائف البيولوجية من خلال نظام الساعة البيولوجية على أساس إيقاع من 24 ساعة. وهذا الإيقاع يتحدد بالتناوب بين مرحلتي اليقظة والنوم. ومن خلال العمل لساعات متداخلة، تصبح هذه الساعة البيولوجية غير متزامنة (متواقتة)، وينقطع التماس والتواصل بين مختلف وظائف الجسم. بالنسبة للمستقبل، يرغب فريق العلماء في إجراء دراسات أخرى لإثبات وجود صلة بين التغيير في أوقات الوجبات والتغيرات في المزاج. ويضيف فرانك إيه جي إل شير: “توفر دراستنا بيانات جديدة: توقيت تناول الطعام مهم لمزاجنا”.

بالنسبة لرجال الإطفاء، وعمال القطارات، وبعض العاملين في المهن الصحية، وما إلى ذلك، أي القائمة الطويلة للعاملين الليليين، هناك تناقض بين إيقاع الساعة البيولوجية وبعض السلوكيات اليومية. “النتائج التي توصلنا إليها تفتح الباب أمام استراتيجية جديدة للنوم / السلوك اليومي يمكن أن تفيد أيضاً الأشخاص الذين يعانون من حالات الصحة العقلية. تضيف دراستنا إلى مجموعة متزايدة من الأدلة التي تظهر أن الاستراتيجيات التي تعمل على تحسين النوم وإيقاعات الساعة البيولوجية يمكن أن تساعد في تعزيز الصحة العقلية، “كما تقول سارة إلـ تشيلابا، التي أكملت العمل في هذا المشروع في بريغهام.

في فرنسا، لا يعتبر وجود العمال الذين يعملون لساعات متقطعة أمراً غير مألوف. وفقاً لقسم الأبحاث والدراسات والإحصاء (Dares)، في دراسة له للعام 2018، يعمل 44٪ على الأقل من الفرنسيين وفقاً لجدول زمني “غير نمطي”. 9٪ منهم يعملون ليلاً. وكما يذكر المعهد الوطني للبحوث والأمن (INRS)، فإن المخاطر، المرتبطة بعدم التزاقت في إيقاع الساعة البيولوجية، عديدة، مثل اضطرابات النوم أو اليقظة. ومن المحتمل حدوث آثار أخرى: زيادة الوزن أو ظهور بعض أمراض الشرايين التاجية، والتي يمكن أن تزيد خطر الإصابة بنوبة قلبية. ويعتبر هذا الوضع أكثر حساسية للنساء الحوامل، ذلك أن “العمل بنظام النوبات و / أو العمل الليلي من شأنه أن يزيد من مخاطر الإجهاض التلقائي والولادة المبكرة وتأخر النمو داخل الرحم”، كما يحذر المعهد الوطني للبحوث والأمن.

 

ما هو الوقت المناسب لكي تغفو

“عليك أن تتعلم النوم وتحترم ساعتك البيولوجية. الإنسان المعاصر مستهلك كبير للحبوب المنومة. والنوم مشكلة صحية عامة حقيقية، وفق ما يؤكد عالم الأحياء العصبية كلود غرونفير، الباحث في علم الأحياء الزمني في معهد الخلايا الجذعية والدماغ في  في ليون. إن الإمعان في معارضة إيقاع نومك لا يحكم عليك فقط باضطرابات النوم، ولكن أيضاً بمجموعة من المشاكل الأيضية والذاكرة والإدراكية والنفسية مثل اضطرابات المزاج، وحتى زيادة خطر الإصابة بالسرطان.