ما الذي يمنع تخفيض سعر الفروج؟
مهما أكدت الجهات الحكومية أنها حريصة على تخفيض أسعار منتجات قطاع الدواجن، فإن الفروح لن يعود إلى موائد ملايين الأسر السورية في الأمد المنظور لسببين على الأقل: الأول، قيام الحكومة برفع أسعار مستلزمات إنتاج الفروج، والثاني استيراد الأعلاف من الخارج بدلاً من تصنيعها محلياً.
وبما أن المدير العام لمؤسسة الأعلاف كشف لنا وبدقة بأن “75% من تكاليف إنتاج الفروج مواد علفية”، فإن السؤال: لماذا لا تقوم وزارة الزراعة بوضع خطة خمسية لإنتاج الأعلاف وتحديداً الذرة الصفراء بما يزيد عن حاجة قطاع الدواجن ومعامل الزيوت العامة والخاصة؟
وعندما تقوم الحكومة برفع أسعار الأعلاف المستوردة في كل مرة ترتفع أسعارها عالمياً، فهذا يعني أن المربين في قطاع الدواجن لا يمكنهم البيع بسعر أقل من التكلفة، وبالتالي فأسعار البيض والفروج لن تنخفض بل ستبقى ترتفع أكثر فأكثر طالما الاعتماد على تأمين المستلزمات يتم عن طريق الاستيراد!
والملفت إن قلة من المنتفعين أو المتنفذين تحتكر استيراد الذرة الصفراء مقابل تسليم كمية قليلة منها إلى مؤسسة الأعلاف لم تتجاوز حتى حزيران الماضي 16 ألف طن، وهذا يعني أن المربي الذي لا يحصل على الكمية الكافية من المؤسسة سيشتري البقية من تجار الذرة بأسعار الصرف الأسود وليس (المركزي)، وسيحمّل تكلفتها للمستهلك.
ومن المهم أن يكون مخزون مؤسسة الأعلاف من كل المواد العلفية كاف لتغطية احتياجات السوق للحالات الضرورية، ولكن الأكثر أهمية أن يكفي المخزون احتياجات قطاع الدواجن لمدة عام ومن الإنتاج المحلي لا المستورد.
ومع أن أسعار الأعلاف ارتفعت عالميا، ما انعكس على أسعار الدواجن، فإن تراجع سعر صرف الليرة بين فترة وأخرى يزيد أيضاً من أسعار الأعلاف على الرغم من أن التجار يستوردونها بدولار المركزي لا بدولارات السوق السوداء، وبالتالي ما من مؤشر على إمكانية تخفيض سعر الفروج والبيض سوى ببيع المربين الأعلاف بأسعار مدعومة أو قيام السورية للتجارة باستجرار الفروج من المربين وبيعه عبر البطاقة الذكية بأقل من تكلفته!
وبعد نشوب أزمة الغذاء العالمية فقد آن للحكومة أن تعتبرها فرصة ثمينة للبدء بخطط بدائل استيراد الأعلاف وتحديدا الذرة الصفراء والصويا لعدة أسباب: ارتفاع أسعارها المستمر والذي يزيد ولن يتوقف، واحتكار شركات عالمية لهاتين المادتين تتحكم بانسيابها وأسعارها، وارتفاع أجور الشحن البحري إلى مستويات قياسية من 20 دولاراً إلى70 دولاراً للطن الواحد!
وإذا لم تكن هذه الأسباب الرئيسية كافية لإقناع الحكومة بوضع الخطط والبرامج المادية والزمنية للاكتفاء الذاتي من الذرة والصويا وعباد الشمس .. فمتى ستقتنع وتفعلها؟
والمسألة لا تتعلق بإنتاج الفروج والبيض فقط بما يُناسب دخل المستهلك، وإنما أيضاً بتأمين حاجة سورية من الزيت النباتي مع فائض للتصدير، وهي مادة أضحت أكثر أهمية من السمون النباتية والحيوانية بالنسبة لملايين الأسر السورية ومنشآت المطاعم والفنادق ومحلات السندويش ..الخ.
لم نفهم ما قصده تماماً مدير عام مؤسسة الأعلاف بقوله: (مادام قطاع الدواجن غير منظم سوف يخضع باستمرار لتذبذبات الأسعار فإما خسارة كبيرة أو ربح كبير وهذه الخسائر لا يمكن أن يتحملها المربي الصغير).. فهل تأسيس جمعيات لمربي الدواجن سيخفض أسعار الأعلاف مثلاً؟
وأكثر ما يثير الاستغراب تأكيد وزارة الزراعة المستمر بأنها تشجع على زراعة مادة الذرة الصفراء محلياً في حين يجب أن تتعامل مع مادة الذرة الصفراء مثل القمح والقطن والتبغ أي كسلعة إستراتيجية تحدد المساحة المطلوبة من المنتجين تخصيصها للذرة وسعر شرائها منهم كي تقوم ببيعها لقطاع الدواجن ومعامل الزيوت وبما يتيح تصدير فائض من المنتجات كفيل بالحد من استنزاف القطع الأجنبي وتحسين القدرة الشرائية لليرة التي ستنعكس حتما على تحسين قدرة المواطن على شراء الفروج والبيض والزيوت ..الخ.
وعلى الرغم من تأكيد الجهات المعنية بالقطاع الزراعي على زراعة الأعلاف فإن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الذرة الصفراء مثلاً لا يكون بالتشجيع أو بالتمنيات كالقول: (في العام الماضي كان هناك بالحد الأدنى 150 ألف طن استخدمت كمادة علفية وكان لذلك دور كبير في تأمين قسم من المواد العلفية ونأمل أن يكون لدينا هذا العام كميات إضافية) .. فالمطلوب خطط وقرارات ورصد اعتمادات مالية ..الخ.
نعم، من المهم أن نقرأ تصريحات من قبيل (الزراعة أفضل طريقة لتأمين المواد العلفية محلياً للابتعاد عن الاستيراد واستنزاف القطع الأجنبي واحتكار الأسواق العالمية، إضافة إلى ما تؤمّنه من فرص عمل ودخل أفضل للعامل مما يساهم في دعم الاقتصاد الوطني).. ولكن لماذا لا تترجم الحكومة حتى الآن هذا الكلام الجميل جداً جداً؟
ليس سهلاً أن تتخلى ملايين الأسر السورية عن البيض والفروج أو تخفض استهلاكها من هاتين المادين إلى مستويات تهدد صحتهم وصحة أطفالهم، وليس سهلاً أن يصل سعر عبوة الزيت إلى مستوى يشفط القسم الأكبر من دخلهم مع صعوبة بالغة بالحصول عليها في الكثير من الأحيان، ومع ذلك الحلول غائبة وبالأحرى غير معتمدة، فباستثناء الاستيراد ما من حلول محورها الإنتاج والتصنيع المحلي تلوح في الأفق القريب!
وفي كل مرة نقرأ فيها أن الحكومة تعمل على إجراءات لتأمين السلع الأساسية من فروج وبيض وزيوت نباتية بأسعار (مناسبة) يُفاجأ بعدها المواطن برفع أسعارها أو اختفائها من الأسواق!
ولم تف وزارة التجارة الداخلية بوعدها فقد أعلنت عن استدراج عروض لتوريد الزيت النباتي لصالح “السورية للتجارة” تمهيداً لتوزيع عبوتين شهرياً على الأقل لكل أسرة.. فماذا كانت النتيجة؟، عبوة واحدة لأربعة أشهر إن لم تكن المدة أكثر فأكثر!، الخلاصة .. مادامت الإمكانات متاحة من يمنعكم من تخفيض سعر الفروج؟!
علي عبود