ما وراء منتدى الشرق الاقتصادي
علي اليوسف
تستضيفُ مدينة فلاديفوستوك، في أقصى الشرق الروسي، منذ الاثنين الماضي فعاليات وأنشطة منتدى الشرق الاقتصادي، بمشاركة وفود من أكثر من 40 دولة، وخاصة من دول آسيوية، وتستمر فعاليات المنتدى، المنعقد في نسخته السابعة، حتى يوم الخميس 8 أيلول الجاري.
“نحو عالم متعدّد الأقطاب”، هو العنوان الرئيسي للمنتدى، أي أن عمليات التغيير العالمية، وخاصةً تلك التي تؤدي إلى تشكيل نموذج اقتصادي جديد باتت في إطار الإقرار بعد انكشاف أن الوصاية الأمريكية لم تكن إلا للابتزاز والإرهاق. ولكون المنتدى يوفر فرصة للحوار مع جميع الأطراف، فهذا يعني أن المسار نحو تعدّد الأقطاب بات بحكم المنجز، ولم يتبق منه إلا خطوات لوجستية ضرورية لرسم الملامح النهائية لهذا العالم الذي يحمل منتدى الشرق الاقتصادي عنوانه.
وبلا شكّ، سيكون من أبرز أحداث المنتدى مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الفعالية، حيث سيلقي اليوم الأربعاء في الجلسة العامة للمنتدى كلمة يتطرّق فيها إلى الأحداث الراهنة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، وحول تنمية الشرق الأقصى. ولا يستبعد أحد أن تعيد روسيا تشكيل اقتصاد العالم بقرارات تاريخية من بوتين، بدءاً من تكثيف التعاون مع الشركاء، مروراً بالمتاجر الهندية في موسكو، ونمو حصة السيارات الصينية، ووصولاً إلى إنشاء عملة احتياطية دولية جديدة.
وعليه فإن المنتدى سيشكل فرصة مهمة لتحديد مسارات المستقبل الاقتصادية بعد أن انكشف الهدف من العقوبات الأمريكية والغربية على روسيا، وهو منعها وحلفاؤها من الصعود على السلم الاقتصادي العالمي، وعدم مزاحمة من استأثر بهذا السلم منذ نهاية الحرب الباردة. ولعلّ أكبر مثال على ذلك هو ما تقوم به دول مجموعة السبع، حيث قامت بالتزامن مع انعقاد منتدى الشرق الاقتصادي بالاتفاق على خطة لفرض سقف لسعر النفط الروسي من أجل تقليل عائدات الصادرات الروسية بعد أن حلّ منتجو النفط الروس مشكلات بيع منتجاتهم عن طريق إعادة توجيه ناقلات النفط إلى الأسواق الآسيوية، حيث ووفقاً لمعهد التمويل الدولي، بلغت صادرات النفط الروسية في آب الفائت أعلى مستوى في التاريخ.
لقد دعمت آسيا موسكو فعلياً في حرب الطاقة مع الغرب من خلال شراء النفط والمنتجات النفطية منها، كما ظهرت سوق جديدة غير متوقعة تشتري بنشاط المنتجات النفطية الروسية، وقد نجحت مصافي التكرير في شغل مكان المصافي الأمريكية التي كانت تشتريه بكميات كبيرة. في المقابل، تجاهل الغرب المبادئ الأساسية لاقتصاد السوق، والتجارة الحرة، وحرمة الملكية الخاصة، واتبعوا مساراً اقتصادياً كلياً، إضافة إلى فرض العقوبات ذات الدوافع السياسية، وزيادة الضغط على المنافسين، وكسر التعاون عمداً، وهو ما يركز عليه منتدى الشرق الاقتصادي بدعوته لعالم منفتح متعدّد الأقطاب.