ليبيا بين الهدنة وجبل البارود
ريا خوري
لا تزال ليبيا تعاني من المماطلة في حلّ الأزمة المتفاقمة رغم العديد من القرارات والبيانات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي وحكومات ورؤساء العديد من الدول المنخرطة في الحلّ والأزمة على حدّ سواء.
وحتى الآن، لم تكن تلك المواقف جادة لحلّ الأزمة، حيث انعدمت فيها المواقف الجريئة والصريحة التي تسعى إلى الخروج من هذا النفق المظلم، والحالة الصعبة التي يعيشها الشعب الليبي يومياً على وقع صراعات سياسية وعسكرية وأمنية، وانقسامات فصائلية، وجهوية، وفوضى ميليشياوية لها أجنداتها الخاصة حسب الجهات الداعمة لها، وتدخلات خارجية معلنة وسرية، وإرهابيين ومرتزقة تمّ تصديرهم إلى ليبيا للعبث بمقدراتها ونهب خيراتها وزيادة مأساة وتعقيد الحياة فيها.
ولم يأتِ البيان الصادر عن مجلس الأمن الدولي في الأول من شهر أيلول الجاري بأي جديد، حيث اكتفى بالمطالبة بانسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة بالسرعة القصوى من دون المزيد من التأخير، وبإدانة الاشتباكات التي ترتكبها الميليشيات المسلّحة في مدينة طرابلس، ودعوة جميع الأطراف المتصارعة إلى المحافظة على الهدوء، والأمن والأمان، والامتناع عن القيام بأي أعمال عنف أو أية أعمال أخرى من شأنها تصعيد التوترات، وتقويض العملية السياسية الجارية. بمعنى آخر، إن البيان الأخير يشبه البيانات والقرارات السابقة والتي بقيت حبراً على ورق، لأنها افتقدت الجدية الحقيقية وآلية التنفيذ، فمجلس الأمن الدولي لم يُفعِّل ما اتخذه من قرارات، ولم يضغط على الدول المعنية بالأزمة الليبية للالتزام بنصوص القرارات.
في المقابل، لا تزال بعض الدول تمارس شكلاً من أشكال المراوغة والخداع لإعطاء أمل كاذب للشعب الليبي، لأنها تريد اقتسام المقدرات والثروات الليبية قبل التوصل إلى أي حلّ، وذلك من خلال استمرار الفوضى والعبث المبرمج، واستثمار الميليشيات المسلحة والانقسامات الحادة.
إن ما شهدته العاصمة الليبية طرابلس في الأيام الماضية من اقتتال بين الميليشيات المسلحة مؤشر على أن تلك الميليشيات تملك القوى والقدرة في أي وقت على استئناف المعارك، وربما توسيع نطاقها إلى أماكن أخرى داخل ليبيا وأطرافها طالما أن آفاق الحلّ مسدودة تماماً، والانقسام الحكومي ما زال متواصلاً، خاصةً وأن هذه الميليشيات لا تزال ممسكة بالقرار العسكري والأمني، وتقف على خطوط تماس متقاربة جداً، مع تغيير كبير وواضح في خريطة تواجدها بعد المعارك الأخيرة، وسيطرة بعضها على أماكن ومواقع أخرى، وهذا ما يشجّعها على استكمال هيمنتها وسيطرتها، من دون إعطاء أية أهمية للمواقف والبيانات والتقارير الدولية التي تدعو إلى وقف الاشتباكات المسلحة، طالما أنها تعلم مسبقاً أنه لا أحد سيحاسبها!.
الواضح تماماً، في سياق هذا الصراع، أن المعركة لم تنتهِ بعد، وأن الجمر ما زال تحت الرماد، وأنّ عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة المنتهية ولايته لم يسلّم السلطة بعد لفتحي الباشاغا رئيس الحكومة المُنتخب مستنداً إلى ميليشيات مسلحة تسليحاً نوعياً، ومدعومة من قوى إقليمية وعالمية.
الجديرُ بالذكر أن أي حادثة يتمّ استخدام السلاح فيها ضمن العاصمة الليبية طرابلس في ظل هذه الهدنة الهشة، قد تشعل فتيل النار وتنشب أشدّ المعارك عنفاً والتي سيكون الشعب الليبي ومقدراته وحده هو الضحية والخاسر الأكبر فيها.