دراساتصحيفة البعث

الحرب الأيديولوجية فكرة أمريكية ساذجة

عناية ناصر

كانت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية مسيطرة في مجال التكنولوجيا والاقتصاد لدرجة أنها أصبحت ترى نفسها زعيماً عالمياً، لكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، اعتبرت نفسها القوة العظمى الوحيدة في عالم أحادي القطب. لكن لا ينبغي لدولة واحدة أن تعتبر نفسها زعيمة للعالم بأسره، بل يجب أن يكون العالم متنوعاً ومتعدّد الأقطاب، ولا تحكمه قرارات دولة واحدة أو سيادة دولة واحدة بل بموجب القانون الدولي، وخاصة ميثاق الأمم المتحدة.

تعكس السياسة الخارجية للولايات المتحدة طريقة تفكيرها القديم، إلا أن ظروف الثمانينيات والتسعينيات لا تنطبق على العالم في عام 2022، لذلك هناك حاجة إلى عالم من التعاون، فالعديد من المناطق في العالم، مثل أمريكا الشمالية والاتحاد الأوروبي والصين والاتحاد الأفريقي وما إلى ذلك، تحتاج إلى التعامل مع بعضها البعض على أساس الاحترام المتبادل والتعاون وحلّ المشكلات العالمية واتباع القواعد الدولية جنباً إلى جنب مع ميثاق الأمم المتحدة.

في هذا السياق، فإن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين مهمّة بشكل خاص، ويجب أن تكون علاقة تعاونية، ويحكمها القانون الدولي. لكن هناك الكثير من سوء الفهم، لأن قلة في الولايات المتحدة لديهم وعي بحقائق الصين وتاريخها، كما أن قلّة قليلة زاروا الصين، وبناءً على ذلك يجب أن يكون هناك المزيد من الحوار المنظم بحيث تلتقي الحكومات بشكل منهجي لحلّ المشكلات ومناقشة جميع القضايا. وكذلك عقد المزيد من الاجتماعات والنقاشات خارج نطاق الحكومات بين القادة الأكاديميين والعلماء والفنانين والسياح والطلاب، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة السلام والتعاون. لكن في الوقت الحالي، فإن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين مضلّلة وخطأ فادح وتسير في مسار خطر.

ويمكن ملاحظة ذلك من خلال فشل المفاوضات التي أدّت إلى الحرب في أوكرانيا، في حين كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تتفاوض مع روسيا العام الماضي بشأن مخاوف روسيا من توسع الناتو، وهو أمر خطير واستفزازي يضرّ بمصالح روسيا. وعندما يكون هناك هذا النوع من الفشل في الدبلوماسية، فإن المخاطر ستكون واضحة وتؤدي إلى الصراع بسهولة.

الصراع مدمّر في عالم اليوم، ويمكن أن يؤدي إلى كوارث لا حصر له وخسائر في الأرواح، وهنا تبرز الحاجة إلى التعاون. وحلّ المشكلات الخطيرة للغاية لا يمكن حلها إلا من خلال التعاون مثل تغيّر المناخ. ولهذا السبب من المهم للغاية بالنسبة للولايات المتحدة أن تنتهج نوعاً جديداً من السياسة الخارجية، سياسة تقوم على الحوار والتعاون بدلاً من المواجهة، فالسياسة الخارجية المتمثلة في توجيه الاتهامات والتصاريح السياسية غير المنطقية ليست مفيدة.

كان السياسيون الأمريكيون يديرون حملة ممنهجة لتشويه سمعة الصين، وبناء تحالف من الدول ضد الصين في محاولة لزعزعة استقرارها، إلا أنه بات من الواضح أن هذه السياسة مضللة وخطيرة للغاية. وبعد أن أصبح العالم مزعزعاً بشكل خطير بسبب العديد من الصدمات، سيكون من الممكن بالنسبة للحكومة الأمريكية إعادة النظر في سياستها الخارجية وخلق سياسة خارجية جديدة أقل عدائية وأكثر تعاوناً. والطريق المنطقي الوحيد للعالم هو التعاون العالمي، وعالم موحد لمواجهة التحديات المشتركة مثل تغيّر المناخ، والتنوع البيولوجي، والقضاء على الفقر، ومنع الحرب، وإنهاء سباق التسلح.

إن فكرة الولايات المتحدة عن حرب أيديولوجية هي فكرة ساذجة، فهناك الكثير مما يوحد دول العالم أكثر بكثير مما يفرقها، ويجب التصرف وفقاً لذلك.