دراساتصحيفة البعث

الغرب المدمن على الحرب وحلم السيطرة

عناية ناصر

على الرغم من أن البلدان النامية تحرّرت منذ فترة طويلة من الاستعمار والإمبريالية، إلا أن بعض الدول الغربية لا تزال تحلم بإعادة إنشاء “العصر الذهبي” للإمبريالية والاستعمار، معتقدة أنه من خلال ذلك يمكنها تحقيق الهيمنة العالمية بالقوة. وفي هذا الخصوص أدان رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد في منشور له على فيسبوك، الغرب، ولاسيما الدول الأوروبية، بــ”أنه مدمن على شنّ الحروب وقتل الناس.. إنهم يمجدون الحروب ويحتفلون بالقتل.. وهم مستعدون لخوض الحروب من خلال المناورات الحربية، إنهم يبتكرون باستمرار أسلحة جديدة أكثر فاعلية في قتل الناس”.

انتقد مهاتير في هذا المنشور الغرب أيضاً لقيامه باستفزاز روسيا، الأمر الذي أدّى في النهاية إلى الصراع العسكري الحالي. وتأتي تصريحات مهاتير هذه في تكرار لتصريحاته في مقابلة أجرتها معه صحيفة “فاينانشيال تايمز” مؤخراً، حيث ألقى باللوم على “الاستفزازات الأمريكية”، والتي كانت السبب في زيادة التوترات في مضيق تايوان، ودعا دول جنوب شرق آسيا إلى الابتعاد عن الولايات المتحدة والاستفزاز الغربي ضد الصين.

شهد مهاتير، بصفته سياسياً مخضرماً يبلغ من العمر 97 عاماً، كيف شرعت ماليزيا في مسار التنمية المستقلة بعد أن عانت من ألم الاستعمار، وصدمة الحرب العالمية الثانية التي أشعلتها القوى الغربية، وذلك أيضاً جزء من تاريخ العديد من دول جنوب شرق آسيا الأخرى. ويعكس بيان مهاتير الرأي العام السائد في دول المنطقة، حيث تعرف شعوب جنوب شرق آسيا أنه لا ينبغي لها أن تأخذ التنمية السلمية اليوم كأمر مسلّم به، حيث تمّ بناء هذا الطريق بعد نضال مرير وبعد التغلّب على عقبات هائلة لا حصر لها. لذلك، من الطبيعي أنهم غير مستعدين للانخراط في حرب أخرى بين القوى العظمى، ناهيك عن الوقوع ضحية للصراع.

من الواضح أن السياسي الماليزي على معرفة تامة بالتهديد البارز المتمثل في الاستفزاز الغربي للسلم والأمن الإقليمي وحتى العالمي، ولذلك حذّر مهاتير جنوب شرق آسيا من أن يصبح بيدقاً صغيراً يمكن التخلّص منه في إستراتيجية الغرب في المحيطين الهندي والهادئ، كما أنه يذكّر دول المنطقة بألا تصبح شريكة للقوى الغربية المتحاربة. ولأن المستعمرين السابقين تركوا آثاراً مؤلمة في العديد من البلدان النامية، كتب الغرب تاريخه الحافل بالازدهار على العنف، بما في ذلك إراقة الدماء والحروب.

لقد استخدمت الحضارة الغربية القوة لنهب الدول الفقيرة والضعيفة لكسب المزيد من الثروة، ما أدّى إلى هيمنتها على العالم. ومع ذلك، لا تحبّ الدول الغربية أن ترى هيمنتها تتعرّض للتحدي، وإلا فإنها ستفقد أداة عنيفة حاسمة لإخضاع البلدان الأخرى. ونتيجة لذلك، قامت باتخاذ كلّ أنواع الإجراءات القمعية ضد الدول التي قد تهدّد هيمنتها، بل وذهبت حتى إلى حدّ شنّ الحروب!.

على الرغم من صعوبة تصوير كلّ الدول الأوروبية على أنها متحمّسة للعنف، إلا أن هناك بعض الإمبراطوريات السابقة في أوروبا لا تزال حريصة على التنمّر على الآخرين من خلال استخدام القوة كما لو كانوا لا يزالون في العصر الإمبراطوري. وفي هذا الإطار قال لو شيانغ، الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إنه على الرغم من أن القوى الأوروبية توقفت في الغالب عن إثارة الحروب بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها لا تزال تشارك في إراقة الدماء والحروب غير المبررة في العصر الحديث بقيادة الولايات المتحدة في ظل آلية الناتو على وجه الخصوص. ويعتقد الخبير العسكري الصيني سونغ تشونغ بينغ أن هوس الحرب في بعض الدول الغربية يكشف عن عقلية الهيمنة لديها، حيث لا يزال البعض في الغرب يعتبرون البلدان النامية مستعمراتهم، لذلك لا يزالون يحاولون إيجاد طرق للتنمر والاستغلال للحصول على المزيد من المكاسب وتعزيز مصالحهم، مضيفاً: لقد أصبحت معظم البلدان تدرك الآن الحاجة إلى الاعتماد على الذات لتجنّب أن تصبح هدفاً للتنمر والنهب الغربي، فحيثما سيكون هناك ظلم، ستكون هناك مقاومة.