دراساتصحيفة البعث

قادة جزر المحيط الهادئ في البيت الأبيض نهاية أيلول!

ريا خوري

لم تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية عن استفزاز الصين من جهة بحر الصين الجنوبي، لكن تلك الاستفزازات انعكست سلباً على الولايات المتحدة نفسها، فقد حقّقت الصين خلال الفترة القريبة الماضية العديد من النقاط المهمّة على حساب الولايات المتحدة وحلفائها في الصراع الدائر لتوسيع النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي في منطقة المحيط الهادئ. وما جرى في الأيام القليلة الماضية كان كافياً للجم الولايات المتحدة عن تحقيق جزء من سطوتها في المنطقة، فقد علقت جزر سليمان زيارات جميع قطع البحرية الأمريكية إلى موانئها، وأوقفت كافة إمدادات سفنها وصيانتها، ومنعت قبل ذلك سفينة ضخمة لخفر السواحل الأمريكية من التزوّد بالوقود في ميناء هونيارا الواقع في عاصمة جزر سليمان، حيث أثار قرار المنع الذي يصبّ في مصلحة الصين خيبة أمل الولايات المتحدة.

خلال السنوات الماضية، بذلت الولايات المتحدة جهوداً كبيرة لبناء حلف أمني مؤلف من الدول الرئيسية في المنطقة، وعلى رأسها الهند وكندا وأستراليا واليابان، لكن جهودها في كسب ولاء وانتماء دول المنطقة تعثّرت، مقابل نجاحات عديدة حققتها الصين وكان لها تأثير كبير، آخرها اتفاق الشراكة الأمنية والاقتصادية الذي عرضته على دول المنطقة الواقعة على الساحل الشمالي الغربي، ووافقت عليه سلطات جزر سليمان بالفعل.

في مقابل التقدم الكبير الذي حقّقته القيادة الصينية في جزر سليمان، وفي خضم السباق السياسي والدبلوماسي المحموم بين كبار المسؤولين الأمريكيين إلى دول المنطقة، قدّم الرئيس الأمريكي جو بايدن عرضاً يهدف إلى استضافة قادة جزر المحيط الهادئ في البيت الأبيض في اجتماعات متتالية لعقد قمة تقرّر انعقادها نهاية شهر أيلول الجاري.

يُذكر أن ويندي شيرمان، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، تحدثت من مملكة تونجا في المحيط الهادئ عما أطلق عليه تسمية “فرصة تاريخية” للحوار، وسبقها إلى ذلك إعلان الولايات المتحدة عن افتتاح بعثات دبلوماسية في عدد من الجزر، وزيارة أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي المنطقة، وإلقاء نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس خطاباً -لم يحظَ باهتمام كبير- أمام منتدى جزر المحيط الهادئ.

وفي شهر حزيران الماضي، أطلقت الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وبريطانيا واليابان مبادرة باسم “شركاء في بلو باسيفيك”، بهدف تقوية العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية وتعزيزها مع دول جزر المحيط الهادئ، وتمكين وجودها العسكري والأمني والاقتصادي في المنطقة، لكن من دون أن تؤكد سياستها الهادفة إلى مواجهة النفوذ الصيني وتقليصه. أما الاتحاد الأوروبي فإنه يريد تعزيز وجوده الاستراتيجي في المحيط الهادئ من خلال إقامة علاقات اقتصادية وتجارية، وتحقيق الاتفاقيات والالتزامات الأمنية الجديدة والقديمة.

إن الصراع الجاري بين العملاقين الصيني والأمريكي في منطقة المحيط الهادئ المهمّة من الناحية الجيو استراتيجية لا يزال في بدايته، حيث تخوض الولايات المتحدة هذا الصراع مع حلفاء أقوياء، بينهم دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، بينما تدخل الصين هذا الصراع منفردة ومعتمدة على قوتها البحرية من جهة، وقوتها الدبلوماسية الناعمة، من جهة أخرى. وأمام هذا الصراع والتبدلات السياسية على الخارطة الدولية، يبدو أن ملامح الغلبة ستكون للصين بلا شك.