بيان خاطئ في توقيت خاطئ
علي اليوسف
كان متوقعاً أن تخرج فرنسا وألمانيا وبريطانيا ببيان لعرقلة توقيع الاتفاق النووي مع ايران، ما يؤكد أنه دور تلعبه تلك الدول بالتناوب مع الولايات المتحدة، وبالتالي ممارستهم مجتمعين لعبة المماطلة والتسويف منذ أن لاحت بوادر التوصل إلى توقيع الاتفاق. هذا الموقف الخاطئ للترويكا الأوروبية لا شك أنه قرار غير مدروس وفي توقيت خاطئ قد تدفع ثمنه غالياً نتيجة حساباتها غير المسؤولة، فالحجة التي ساقها البيان هي حجة افتراضية وليست واقعية، أولاً من منطق عدم استخدام الأوروبيين لمصادر الطاقة الإيرانية، وثانياً من سلمية برنامج ايران النووي.
البيان الأوروبي جاء مدفوعاً بضغط الكيان الصهيوني، وتنسيق من الطرف الأمريكي، وفي ذلك نقض لأصول التفاوض الذي مارسه المفاوض الإيراني باحترافية وسعى من خلاله إلى فتح الطريق أمام الاتفاق للتوصل الى حل جاد ومستدام يضمن الحقوق الايرانية الاقتصادية. ولعل حجة نشاطات ايران النووية التي ساقها البيان ما هي إلا حجة واهية لعرقلة الاتفاق، لأن ما ينقض بيان الترويكا الأوروبية هو تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أكدت سلمية نشاطات ايران النووية، وحتى في موضوع الضمانات الشاملة، خاصة تعهد إيران بالالتزام بمعاهدة الحد من الانتشار النووي، وتنفيذ اتفاق الضمانات بصورة كاملة دون تمييز بين الدول. لكن ما يظهر اليوم هو عدم فاعلية الوكالة، بل تحولها الى أداة يتم الضغط عليها من أطراف ثالثة، وكيان صهيوني لم يلتزم بأي من المعاهدات الدولية بشأن عدم الانتشار النووي.
هذا الكيان كان أول من أعرب عن شكره لكل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا، كاشفاً عن حوار سري ومكثف معها، والاستمرار بحملة تجييش لوقف الاتفاق النووي، ومنع رفع العقوبات عن إيران. لذلك فإن الاستماع الى صوت الباطل في هذه اللحظة الحرجة من مفاوضات فيينا، وعشية اجتماع مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد يعيد الاتفاق الى العام 2015، خاصةً أن منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي كان قد أعلن قبل البيان الأوروبي أن واشنطن ليست قريبة في الوقت الراهن من إحياء الاتفاق النووي مع إيران، موضحاً أنه لا تزال هناك ثغرات، ونحن لسنا قريبين من إبرام صفقة كما كنا نتمنى أن تكون.
لا يعتقد الأوروبيون ولا الكيان الصهيوني ولا حتى الولايات المتحدة أن هذا الشكل من المماطلة واللعب على مفردات التفاوض قد يثني إيران عن مطالبها المشروعة، وأهمها خفض العقوبات مقابل الخطوات النووية اللازمة لإعادة الاتفاق النووي الإيراني، الموقع عام 2015، إلى المسار الصحيح. ولا يعتقد كل من يراهن على زيادة الحصار والضغط على الحالة الاقتصادية لجمهورية ايران الإسلامية أنها قد ترضخ، لأنها من أهم الدول في سوق الطاقة، وأن انتاجها النفطي له مشترين من كل دول العالم، وهي لن تمنعه عمن يطلبه.