دراساتصحيفة البعث

نهاية العصر “الإليزابيثي”

ترجمة: هناء شروف

لا شكّ أن نهاية أي حياة تمنح الآخرين فرصة للنظر إلى الوراء والتأمل في الأحداث التاريخية، وهو ما يحدث في حالة الملكة إليزابيث الثانية التي شهدت حياتها العديد من التحولات في المسرح العالمي.

أُعلن عن وفاة الملكة البالغة من العمر 96 عاماً في بالمورال باسكتلندا من قبل قصر باكنغهام بعد الساعة 6 مساءً، يوم الخميس 8 أيلول 2022، بعد أن شهدت حياتها ظهور الصور الناطقة، وعاشت لترى عصر الواقع الافتراضي، والذكاء الاصطناعي. لقد ولدت في وقت كان فيه جدّها الملك جورج الخامس إمبراطور الهند، وفارقت الحياة وبريطانيا لا تزال تجد قدميها على المسرح العالمي بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. شهدت حياتها صعود الفاشية، وسقوط جدار برلين، والحرب العالمية الثانية، وغزو الفضاء، والأزمة المالية العالمية، ووباء كوفيد 19، والصراع بين روسيا وأوكرانيا.

لم تكن تعيش فقط لتكون أكبر الملوك، فقد عاش اثنان فقط من أسلافها بعد سنّ الثمانين، ولكنها أصبحت أيضاً الملك الأطول خدمة في تاريخ المملكة المتحدة بعد المرأة التي تجاوزتها كأطول ملوك حاكمة هي جدتها الكبرى الملكة فيكتوريا التي عُرف عصرها باسم العصر الفيكتوري. وبالمثل فإن السبعين عاماً وسبعة أشهر ويومين من حكمها أصبحت العصر الإليزابيثي الحديث.

في عام 1952، عندما كانت الأميرة إليزابيث الشابة -تزوجت عام 1947 من ابن عمها الثالث الأمير فيليب- في رحلة إلى كينيا، جاء الخبر بوفاة والدها البالغ من العمر 56 عاماً فقط، وحينها أصبحت الملكة إليزابيث الثانية، وبدأ عهد جديد انتهى الآن بعد 70 عاماً.

الملكة ودوق أدنبرة وهو اللقب الذي أطلق على زوجها يوم زفافهما، أنجبا أربعة أطفال، هم تشارلز، وآن، وأندرو، وإدوارد، وهم بدورهم أنجبوا ثمانية أحفاد، و12 من أبناء الأحفاد، حيث ظلّ زواج الزوجين الملكيين صخرة صلبة حتى وفاة الدوق في 9 نيسان 2021 عن عمر يناهز 99 عاماً.

إذا كانت الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي أوقاتاً مضطربة للعائلة المالكة، فإن بداية الألفية كانت إيذاناً بعصر جديد من التفاؤل، فقد احتفلت في عام 2002 بمرور 50 عاماً على العرش، حيث أضاءت سلسلة من الإشارات الاحتفالية بطول وعرض الجزر البريطانية، وبعد أربع سنوات احتفلت بعيد ميلادها الثمانين، وكان انفصالها عن السياسة من أعظم نقاط قوة الملكة على الصعيدين المحلي والعالمي.

في حياتها سافرت حول العالم، استمتعت واستضافت عدداً لا يُحصى من الملوك والرؤساء ورؤساء الدول، والتقت بكل رؤساء الولايات المتحدة خلال فترة حكمها باستثناء ليندون بي جونسون الذي كانت ستلتقي به في جنازة جون إف كينيدي لو لم تفوت الرحلة لأنها كانت حاملاً بإدوارد.

بالإضافة إلى ذلك عاصرت الملكة 15 رئيس وزراء بريطانياً في عهدها من ونستون تشرشل إلى ليز تراس. كانت التكهنات حول محتوى الاجتماعات الأسبوعية الخاصة التي أجرتها معهم موضوعاً مسرحياً حائزاً على جوائز في عام 2013. كما حكمت من خلال التحولات الاجتماعية والسياسية مثل أزمة السويس، والاضطرابات في أيرلندا الشمالية التي أودت بحياة ابن عمها اللورد مونتباتن، وتراجعت الصناعات التحويلية في بريطانيا، وتغيّرت من كونها قوة ما بعد الإمبراطورية إلى كونها لاعبة في الاقتصاد العالمي مع مجتمع مهاجرين كبير ومتنوع وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ولدتْ بعد ثماني سنوات فقط من نهاية الحرب العالمية الأولى، ونشأت في الحرب العالمية الثانية، وتدربت كميكانيكي سيارات، وسائق شاحنة في نهايتها، وكان أول رئيس وزراء في عهدها زعيم زمن الحرب، ونستون تشرشل.

إن وفاتها هي أيضاً نهاية حقبة، كما هي الحال مع جميع القادة السياسيين، ورؤساء الدول الرئيسيين في العالم، وبالطريقة نفسها التي أعطت بها فيكتوريا صاحبة أطول فترة حكم سابقة اسمها لعصرها، محدداً الأجيال، كان هذا هو العصر الإليزابيثي الحديث الذي انتهى بوفاة الملكة.

هي الآن من الماضي وخليفتها الملك تشارلز الثالث هو المستقبل، وإلى أين تذهب بريطانيا، وكيف ستتعامل مع التحدي المتمثل في تحقيق توازن بين التعامل مع ماضيها والتصدي لتحدياتها الحالية واحتضان مستقبلها، هذا هو السؤال الذي لا يزال يتعيّن الإجابة عنه؟.