واشنطن تستثمر في أزمات أوروبا.. والخسائر بانتظارها
تقرير إخباري
في كل يوم تغيّر الإدارة الأمريكية تكتيكاتها السياسية وتدخلاتها في قيادة سياسات الدول الأوروبية، واضعة في المقام الأول هدفاً أساسياً هو إنقاذ اقتصادها المتهاوي بفعل طبع تريليونات الدولارات دون رصيد، وهناك من يقول إن واشنطن تسعى بالفعل إلى رفع أسعار النفط حتى تتمكن من تحقيق جدوى في استخراج نفطها الصخري الباهظ التكاليف، وذلك لتشديد قبضتها الاستغلالية على الدول، ولكن في الوقت ذاته نقف هذه المرة أمام ردّات فعل قوية وعكسية من قوى الشرق، ورغم التدخلات من المركزي الأمريكي فإن الانتعاش تحوّل إلى ما يشبه عمليات إنعاش مؤقتة، لهذا الاقتصاد المتخبّط.
ويرى اقتصاديون أمريكيون أن الولايات المتحدة قد تستفيد من الركود في أوروبا، الناجم عن قلة توريد الغاز الروسي، لكنها ستعاني في الوقت ذاته في حال رفضت روسيا تصدير النفط، وكما هو معلوم الآن روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه ألاعيب تحديد سقف سعر النفط، وستمنع الدول من بيعه لكل من سيوافق على قرار كهذا.
وفي حين يدّعي مسؤولو الإدارة الأمريكية ووزارة الخزانة ومجموعة من المستشارين الاقتصاديين بالبيت الأبيض أن العواقب المحتملة معتدلة ويمكن التحكم بها، حول تأثير حالة الركود في أوروبا، التي تبلغ نسبة التجارة معها أقل من 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، يرى خبراء آخرون أن السيناريو الأسوأ للولايات المتحدة هو رفض روسيا تصدير نفطها، وهو أمر ممكن إذا طبّقت الدول الغربية آلية وضع “سقف” للأسعار، ما سيمثل كلفة استراتيجية إضافية للعقوبات.
غير أن مسؤولي البيت الأبيض قلقون جداً بشأن أزمة الطاقة في أوروبا وتهديدات موسكو من تحويل الشتاء الأوروبي إلى شتاء قاتم، ويتخوّفون من أن يتسبّب الركود في أوروبا بركود في الولايات المتحدة في حال الوقف الكامل لصادرات النفط الروسية ينعكس بشدة على الاقتصاد الأمريكي، فالولايات المتحدة أعلنت حظر شراء النفط الروسي في آذار الماضي من العام الجاري، لكن المستهلكين الأمريكيين سيلاحظون ارتفاع أسعار النفط العالمية في حال التوقف التام للصادرات الروسية، حيث سيؤدّي الوقف الكامل المحتمل لصادرات النفط الروسية إلى زيادة أسعار البنزين في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية أكثر ممّا تشهده الآن.
كذلك يرى الخبراء أن شركة الغاز الروسية “غازبروم” إذا استمرّت في عمليات توريد الغاز إلى الصين بالروبل واليوان، وتخلت عن اليورو، فإن العقوبات الغربية ستزيد العلاقات الاقتصادية بين روسيا والصين متانة، وهذه كلفة استراتيجية أخرى ستدفعها أوروبا وأمريكا.
وتزداد التحذيرات الأمريكية من خطر انكماش الاقتصاد رغم كثافة الإجراءات المتخذة لإبطاء التضخم، التي حتى تاريخه تؤثر سلباً في النشاط الاقتصادي، على الرغم من التأكيدات المستمرة للإدارة الأمريكية أن إعادة رسم سياسة الاحتياطي الفيدرالي النقدية ستمكّن من مواجهة التضخم.
وحتى اللحظة تتمسك الإدارة الأمريكية بقشة ضعيفة تحقق منها المكاسب تتمثل بتحديد سقف لسعر النفط الروسي، على الرغم من أن روسيا حذرت جميع الدول من مغبّة الاشتراك في هذه المؤامرة، وكذلك بوجود سوق عمل قوية في ظل اقتصادها، رغم أنه مهدّد بمشكلات البطالة والركود لعدم وجود سوق لتصريف المنتجات في حال حدوث ركود في السوق الأوروبية.
بشار محي الدين المحمد