مجلة البعث الأسبوعية

روسيا في مواجهة الغرب (2) ( توازن الحاجة وتوازن الرعب )

د. مهدي دخل الله

الأربعاء الماضي كتبت عن « توازن الحاجة » بما يجعل الدول تعتمد على بعضها عضوياً حتى وإن كانت في حالة حرب . بل إن هذا الاعتماد المتبادل يخفف إمكانات تغول الحرب إلى أبعاد لا يحمد عقباها ..

حديثي اليوم عن « توازن الرعب » الذي هو أهم من توازن الحاجة لأنه يمنع التوصل نحو التدمير الشامل عند الطرفين . هناك كان الاعتماد المتبادل ، وهنا يظهر « الرعب المتبادل » في أجلى صورة .

عندما ضرب الرئيس الأمريكي ، سيء الذكر ، هاري ترومان ، مدينتي هيروشيما وناغازاكي بقنبلتين ذريتيـن ( آب 1945 ) ، ادعى أنه يريد فرض استسلام اليابان حماية لأرواح الجنود الأمريكيين لو استمرت الحرب . لكن الحقيقة أن ترومان كان يعطي درساً للعالم بأن لدى بلاده سلاحاً مخيفاً يجعلها زعيمة العالم بلا منازع . بعد ذلك بأربعة أعوام ، رصد العلماء الأمريكيون تجربة للقنبلة الذرية في الاتحاد السوفيتي ( قنبلة بلوتونيوم اسمها RDS-1 ( . عندما أخبروا ترومان بذلك ، أصيب بصدمة شديدة ولم يصدق ، وبدأت المخابرات الأمريكية بالبحث عن ضحية لاتهامها بتسريب المعلومات إلى موسكو .

الضحية كانت عالماً من أصل ألماني اسمه كلاوس فوكس . الكاتب نورمان موس عرض في كتابه الذي يحمل عنوان « كلاوس فوكس » الرواية كاملة ، وأكدتها المخابرات البريطانية عام /2003/ بعد رفع النقاب عن وثائق سرية حول الموضوع ..

تعرض كلاوس فوكس لمحاكمة شديدة في إطار الحملة الاستخباراتية غير الدستورية في أمريكا التي تحمل اسم المكارتية . وهناك من يؤكد أن الدوافع الحقيقية لكلاوس لم تكن الإيديولوجيا الشيوعية ، وإنما كانت دوافع إنسانية هدفها منع عدوان نووي أمريكي على أي دولة بما يهدد مصير البشرية للخطر.

هكذا ظهر مفهوم « توازن الرعب » الذي حمى العالم من الحرب النووية . وقد تم التنفيس عن الصراع بين القطبين أيام الحرب الباردة ( 1950- 1990 ) بحروب مناطقية ومحلية عديدة .

توازن الرعب ما زال قائماً ، تؤكده قضية زابروجيا في أكرانيا ، حيث أي هجوم على هذا الموقع النووي لانتاج الطاقة يتحول إلى كارثة على الطرفين ..

mahdidakhlala@gmail.com