الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

أبناؤنا والعطلة الصيفية

سلوى عباس

في بادرة منها لترميم الصدوع النفسية لطلابنا جراء ماتعرضوا له من عنف الحرب وتداعياتها النفسية والاجتماعية والأخلاقية، خصصت وزارة التربية حصة دراسية “وجدانية” في كل مدرسة يتحاور فيها الأساتذة مع الطلاب حول القيم والمثل التي عليهم تمثلها في حياتهم ليكونوا أكثر فاعلية في مجتمعهم، وها هو الصيف يمرّ وتنتهي العطلة الصيفية ويعود الطلاب إلى مدارسهم، ليكونوا في مواجهة مع أسئلة وجهها لهم أستاذهم: ماذا فعلتم في الصيف؟ كيف قضيتم عطلتكم الصيفية؟ وبماذا استثمرتم وقتكم، وما مدى المتعة والفائدة التي جنوها من عطلتهم؟

بدأ الطلاب يسردون لأستاذهم تفاصيل الأيام التي مرت، وأخذ كل واحد منهم يستعيد ذكرياته حسب اهتمامه وتناسب ظروفه مع وقته.

وتتابعت السرديات.. أول طالب بدأ بسرد خواطره كانت بجني المتعة واللهو بالذهاب إلى البحر والاستمتاع بالصيف وجماله، فتحدث عن الطبيعة الخلابة التي وهبنا إياها الخالق والتناغم الرباني في الخلق الكوني حيث اتحاد البحر مع الجبل والسهل ليشكلوا لوحة تشكيلية تسحر الناظر بروعتها وفتنتها.

طالب آخر كانت ظروفه مختلفة إذ أنه من سكان الريف وعليه أن يساعد أهله في جني المواسم على اختلاف أنواعها فتحدث بمتعة عن قيمة العمل وروح المحبة والألفة التي كانت الحافز على العطاء ليعود خيراً عليهم وعلى وطنهم الذي تقوم دعائمه على تكاتف الجهود جميعها، وقد ضرب هذا الطالب بحديثه هذا مثالاً للتفاني بالعمل والتآخي الذي يميز علاقات الريف عن المدينة.

طالبة أخرى تحدثت عن الرحلات التي قامت بها مع أسرتها ورفاقها في مناطق متعددة من بلدنا وانبهارها بالمعالم التاريخية والسياحية الموجودة في بلدنا، ونوهت إلى ضرورة الاهتمام بها والتعريف بها لتكون شاهداً على عظمة أوابدنا التي تكتنز سيرة تاريخ حضاري يمتد بجذوره إلى أقدم العصور.

ومع تنوع هوايات الطلاب واهتماماتهم، استعرض طالب آخر اهتماماته الموسيقية والفنية حيث قضى أيام الصيف في ممارسة هوايته وصقل موهبته مؤكداً أهمية الموسيقا وضرورتها في إغناء الروح وتهذيب الخلق، وإعطاء صورة أبهى للحياة تكون المنطلق للعالم الروحي الأسمى، بما تحويه من صور تراثية فلكلورية غابت عن ذاكرتنا بزحمة الحياة ومشاغلها التي جرفتنا في تيارها.

طالب آخر قضى أيام الصيف متنقلاً بين المكتبات يبحث وينقب عن الكتب التي تغني معرفته بعد أن هجر الناس القراءة وانجرفوا مع تيار التكنولوجيا وصادرت تقنيات العصر اهتماماتهم المعرفية، وسط غياب الحميمية التي نعيشها مع الكتاب، والتي لا يمكن أن تمنحنا إياها برودة جهاز الكمبيوتر الذي يعطينا معلومة جامدة خالية من أي تلوين حسي، فنكون متلقين آليين لهذه المعلومات، ونتحول أداة لهذا الجهاز دون أن يكون لنا اي تأثير فيه، وبهذا الطرح أعاد هذا الطالب إلى الأذهان أهمية الكتاب كوسيلة معرفية هي الأهم في إغناء معارفنا وفكرنا.

ولفت نظر الأستاذ طالب يجلس في ركن قصي من القاعة ارتسمت على وجهه ملامح التعب والأسى، وبدا غير مهتم بأحاديث زملائه، فبادره الأستاذ بالسؤال كيف استثمر وقته في العطلة الصيفية، فأجاب بتثاقل من أرهقه العمر من كثرة التعب: أنا يا أستاذ قضيت عطلتي الصيفية بمساعدة أسرتي في تدبير شؤونها المعيشية، وكنت عندما أركن إلى وسادتي ليلاً أعيش أحلامي بأن تتوفر لي ظروف الرفاهية التي عاشها زملائي في عطلتهم الصيفية.

تلك الصور التي قدمها هؤلاء الطلاب نراها بانوراما شاملة ومهمة عن تنوع اهتمامات الناس ومشاربهم وكيفية تعامل كل شخص مع الزمن واستثمار الوقت، لكن ضمن الضغوط الحياتية التي يعانيها الناس والظروف الصعبة التي أثقلت كاهلهم، قلة من الأسر تستطيع أن توفر لأبنائها ظروفاً ملائمة ليس لقضاء عطلة صيفية تحقق لهم المتعة والفائدة، بل حتى أن يتوفر لديهم الوقت ليجلسوا معهم.