العمل من المنزل أم المكتب؟ “حرب أفكار” بين الكبار والشباب وتقرير يرصد الفرق الواسع بين الجيلين
“البعث الأسبوعية” محررة قضايا المجتمع
تشهد ساحات العمل المختلفة حرب أفكار تتصاعد باستمرار بين “جيل الطفرة السكانية ما بعد الحرب العالمية الثانية” و”جيل ما بعد الألفية”، حول أساليب العمل وغاياته ومضمونه الأخلاقي.
إذ يريد الجيل القديم، من مدراء ومدراء تنفيذيين، أن يمارس الموظفون الشباب عملهم من المكاتب، ويقولون إن جيل ما بعد الألفية الذي يفضّل العمل من المنزل؛ يحمل توقعات مبالغاً فيها عن آثار عمله والغاية المرجوة منه.
ومع ذلك فإنَّ جيل الشباب يدفع بوجاهة ما يطلب، ويتباهى بقدرته على بلوغ ما يريده.
العمل من المنزل ليس في مصلحتهم!
يقول أحد رجال الأعمال، المدير التنفيذي لمجموعة متاجر “وول فود”، إن الشباب “يبدون كأنهم لا يريدون العمل”. بينما يزعم الكاتب الكندي مالكولم غلادويل أن العمل من المنزل ليس أمراً في “مصلحة” العمال.
ويرى جيمي ديمون، المدير التنفيذي لشركة جي بي مورغان للخدمات المالية، أن العمل عن بعد “غير مناسب” للشباب.
أما الشباب فتتباين آراؤهم، فبعضهم يريد أن يكون عمله في المكتب، وبعضهم الآخر قانع بالعمل من المنزل، ولا يمانع آخرون العمل من المكتب أو من خارجه.
لكن مكان العمل ليس أهم في الأمر، فجيل الشباب يولي أهمية أكبر لفكرة أن يكون العمل محبباً إليه، وأن يجري بشروطه دون قسر أو إجبار.
يريدون عملاً ذا مغزى
في السياق، قال ماكي، المدير التنفيذي لشركة “وول فود”، في تدوينة صوتية لأحد المواقع الإلكترونية، إن “الشباب لا يسارعون إلى القبول بأي عمل، لأنهم يريدون لأنفسهم عملاً ذا مغزى. لكن الأولى بالمرء ألا يتوقع أن يكون أول عمل له غاية، وإنما يتحقق ذلك له بمرور الوقت”.
مع ذلك، فإن هذه الفكرة التي أنكرها ماكي هي ذاتها الروح التي يريد جيل الشباب بثَّها في العمل. والواقع أنه إذا أرادت الشركات أن تستمر في توظيف أبناء هذا الجيل – الذي يُتوقع أن يشكلوا 25% من القوة العاملة بحلول عام 2025 – فإن عليها أن تتبع نهجهم في العمل وتتفهم رؤيتهم للأمور، وإلا فإنها تخاطر بخسارة مواهبهم وقدرات العاملين لديها منهم.
وأشار استطلاع رأي شمل 14808 شباب من جيل ما بعد الألفية، إلى أن 37% منهم رفضوا وظيفة أو مَهمة عمل “لأنها تعارضت مع أخلاقياتهم الشخصية”.
يرى أبناء جيل ما بعد الألفية أن ملامح هذا الجيل تشكلت بفعل أزمة المناخ المتسارعة والاضطراب السياسي المهيمن، ثم زاد على ذلك جائحة كورونا. وقد دفعت تلك الأزمات المتلاحقة كثيراً من العمال والموظفين إلى الاستقالة وترك أعمالهم طوعاً لإبراز قوتهم وشدة تأثيرهم، أي إنهم اغتنموا الفرصة لفرض قدرٍ من النفوذ على سمات العمل وشروطه.
“العمل هو حياتك”
بدورها، قالت أفيري مونداي، مديرة تسويق مؤثرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تبلغ من العمر 21 عاماً، لموقع “إنسايدر”: “في مجتمعاتنا، وفي أمريكا تحديداً، جرت العادة بأن يكون العمل هو حياتك”.
وأضافت: “أنت تعمل طوال اليوم، ثم تأكل وتذهب إلى الفراش، ثم تفعل ذلك مرة أخرى، وهكذا، خمسة أيام في الأسبوع. أي إنك تبقى مطحوناً في ترس العمل حتى تموت. لكنني تأملت حالي في العمل وحال زملائي ورؤسائي، فأدركت أنا لسنا كذلك، وأن الأمور لا يلزم أن تجري على هذا النحو”.
هذه الآراء ليست جديدة من نوعها، بل دافعَ عنها جيل الألفية قبل جائحة كورونا، لكن استُهزئ بهم ورُفضت مطالبهم. إلا أن الوباء بدَّل أشياء كثيرة، وفرض على الناس أموراً لم يكونوا ليقبلوا بها، مثل مرونة تسيير العمل والعمل عن بعد، وغيرها من الأشياء التي كانت مستهجنة من قبل لكنها أصبحت المعايير الجديدة الآن.
لقد أدرك العاملون من جميع الأعمار أن الحياة أقصر من أن تحبس نفسك في وظيفة لا تروق لك، حسب الموقع الأمريكي “إنسايدر”.
ومع أن الركود الوشيك يُتوقع أن يفرض على كثيرين العودة إلى العمل بأي شروط، فإن خبراء يقولون إن جيل ما بعد الألفية قد ألقى بثقله وراء الحركة المطلبية، وهو شيء يمكن أن يساعد العمل في الحفاظ على مكاسبهم وتعزيزها.