محمد قجة وجذور العرب الحضارية
حلب – غالية خوجة
يروي التاريخ الإنساني بدايات وجود الإنسان على هذه الأرض، وكيف انتقل أجدادنا عبْر العصور من طريقة حياة لأخرى تبعاً للمحيط البيئي والاجتماعي الذي سبقه وعي الإنسان وتطوراته منذ الأزمنة القديمة.
لذلك، ولأننا “كلنا من آدم، وآدم من تراب”، فإننا بدأنا حضورنا معاً، ثم تشعّب هذا الحضور وامتدّ متوزعاً لشعوب وقبائل وجدت لتتآلف وتتعارف، لا لتتناحر وتتصارع ويحارب بعضها بعضاً.
العرب تعمّر الأرض
ولأن العرب أدركت أن الوجود الإنساني هو إعمار الأرض، لا تخريب الأرض، فإنها ما زالت تستوعب الجميع وحضاراتهم منذ نشأتها، وما زالت محطّ تساؤلات كثيرة من قبل الآخرين الذين نسوا كيف كان أجدادهم يبحثون عن الماء ويتنقلون من مكان لآخر بحثاً عن المأكل والمأمن ثم كيف عاشوا في الخيام لا في الأبراج التي يتوهمون أن أجدادهم ولدوا فيها، وكيف استوعبتهم حضارة العرب الموقنة بأبجديات التلاحم وفسيفساء الوحدة الحياتية.
جذور الهوية الحضارية عربية
وبناء على هذه المشهدية، تحدث الباحث العلامة محمد قجة عن جذور العرب الحضارية في محاضرته “العرب والانتماء الحضاري”، في مقر جمعية العاديات بحلب، منطلقاً من الحضارات القديمة وأصول العرب والقبائل العربية تاريخاً وجغرافيا، وجذوراً وقبائل موجودة ديمغرافياً وسياسياً وثقافياً، وذلك منذ آلاف السنين، وكيف تقوم مبادئهم وقيمهم الأصيلة على احترام الآخر، وكيف لهم تاريخهم الوجودي في بلاد الشام وحوض الفرات والعراق، وكيف بنوا ممالكهم التي هاجمها الآخر كعادته فعاث فيها ظلماً وقتلاً وتشريداً، بينما لم يجد التاريخ فاتحاً أرحم من العرب، لأن الفتوحات العربية والإسلامية اتسمت بالتعامل الإنساني الذي جعل الآخر ينضم إليها تلقائياً.
وأضاف قجة: هذه الفتوحات ننظر إليها بالمنظار العلمي من خلال حركة التاريخ المتغيرة، فهناك القوة الهرمة التي تغادر لأسباب داخلية وبعضها أسباب خارجية، مثلما كانت الإمبراطورية الساسانية والإمبراطورية البيزنطية، بينما كانت القوة الفتية عربية، وللمعارك التي خاضتها العرب أهمية معنوية إضافة إلى الأهمية الاستراتيجية والعسكرية، كما كان التبادل التجاري بين العرب واضحاً وله جذوره القديمة، من شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام وغيرها، كما أنه ليس جديداً إذا قلنا أن تكوّن قوة العرب الفتية كقوة صغيرة منظمة قادرة على التغلب على قوة هرمة فقدت كل أسباب الاستمرار مهما تمتعت بقدرة عسكرية، وهذا أيضاً سبب من الأسباب التي تفسر سهولة الفتح.
وذكر قجة العديد من الآراء التوثيقية لشخصيات تاريخية وأدبية وعلمية ودينية، والعديد من المراجع والكتب والمصادر، والكثير من الأحداث المؤكدة على حضارة العرب وجذورها وقيمها التي خلّصت الآخرين من الاستبداد الديني والحياتي، ومنحتهم وعياً جديداً للحياة الإنسانية المشتركة.