مسك دفة “العافية والصحة”
علي بلال قاسم
تدركُ وزارة الصحة حجم الوجع الذي يعاني منه قطاع المشافي والمراكز الطبية والمستوصفات، جراء النقص في عدد الأطباء ولاسيما المتخصصين منهم، حيث تصل الأمور إلى مستويات من الحدية بمكان تجعل مسألة “قرع الناقوس” أولوية تدفع القائمين على الشأن الصحي، ومعهم صنّاع القرار في وزارة التعليم العالي، لإعلان خطة سريعة تعيد ترميم وترقيع ما كان يشكل أسطولاً في مسك دفة “العافية والصحة” لدرجة وجود فائض كان يصدّر لدول الاحتياج والعوز.
اليوم وبعد سنوات الحرب تبدو الصورة مقلوبة، إذ سبّبت الهجرة، التي أصابت شرائح الأطباء، حالة “زنقة” لدى المشافي، ولاسيما التخصصية منها، وباتت الحاجة ماسة لضخ كوادر وكفاءات حديثة التخرّج من الجامعات الطبية التي تحرص سياسة “التعليم العالي” أن تكون بمقاييس وجودة مناسبتين لدعم القطاع، ولهذا كانت احترازات “السنوات التحضيرية” للكليات الطبية، بما يؤكد أن اللعب على وتر الحاجة سيعطي نتائج فاشلة وقاتلة لمؤسّسات طبية تقضي المسؤولية النهوض بها وليس الإجهاز عليها بمن لا يستأهلون صفة “طبيب” عبر فعاليات ونشاطات لطالما يشكل “الإعلام” شاهداً ومشاركاً بها تصل مستويات العرض والتوصيف والحلول إلى درجة مهمة جداً، لا بل وحساسة في شفافية ووضوح أجهزة ودوائر صناعة القرار الإداري والإعلامي في وزارة الصحة وشركائها المحليين والإقليميين مدعمين بالعلاقة مع منظمة الصحة العالمية، حيث للتقييم والمكاشفة والرصد والتوعية الاجتماعية أولوية يشتغل عليها المهتمون والخبراء وأصحاب المشورة تنفيذياً وطبياً وإعلامياً وأممياً.
وفي معاينة المجريات وتلقف التفاصيل، تستحضرنا في جزئية المعاناة النفسية واختزال عديد الأطباء أرقام خطيرة تقدمها وزارة الصحة عندما دللت إلى وجود نحو 90 طبيباً نفسياً فقط على مستوى سورية، في زمن تعلو وتتعاظم الحاجة الماسة لهذا الاختصاص، حيث أصابت الأزمة الأنفس في الصميم، ما يجعل الإغاثة والدعم النفسيين في طليعة الأولويات بما يوازي أو أكثر المعونة والإنقاذ “الغذائي والعلاج الجسماني”؟.
في الإحصائيات شبه الرسمية أن هناك 70 ألف مريض نفسي، ما يعني أن لكلّ طبيب ألف مريض ..؟!، وهذا ما حرّض المعنيين للتدريب على الإسعاف النفسي، حيث تتوسّع الإصابات النفسية في عموم البلد في ظل غياب الثقافة الاجتماعية وإمكانيات الوصول والاستهداف.
قد يكون عدد الأطباء السوريين المسجلين في نقابة الأطباء، باستثناء قوائم الفصل 33 ألف طبيب، 20 في المائة منهم غادروا البلاد، إلا أن الاختصاصات النادرة تعاني نقصاً حاداً في عدد الأطباء، ولكن المشكلة هي الحالات النفسية التي يوجد منها نحو 700 ألف حالة شديدة جلّها خارج المشافي، فهل يكفي 10 أطباء نفسيين يتخرجون سنوياً والوضع يتطلب نحو 2000 طبيب في وقت ينتشر 600 طبيب نفسي سوري في العالم.. فهل تعلن استنفارات من مستوى حكومي متقدم يتجاوز حدود الرصد إلى التحفيز والجذب والاستقطاب لهذا الاختصاص الإغاثي الذي يتطلبه أبناء وأطفال البلد في توقيت لا يحتمل المماطلة والتسويف كما يعتقده الكثيرون؟