تنشيط التعليم المهني مدخل أساس لتنمية المشروعات الصغيرة
عبد اللطيف شعبان
التشريعات القديمة، التي قضت بايلاء التعليم المهني أهمية كبرى، كانت حكيمة جداً، وبموجبها بوشر بإحداث الثانويات والمعاهد المهنية في جميع مناطق المحافظات، منذ عشرات السنين، وتخرج منها مئات الآلاف الذين رفدوا الفنيين والمهنيين الموجودين في الجهات الرسمية والخاصة، ولو تم استثمار المعدات والتجهيزات الموجودة في هذه المدارس والمعاهد بالشكل الأمثل، لكانت كل منها مجمَّعا لعشرات ورشات العمل الصغيرة من عشرات المهن، القادرة والكافية لأن تمد المدارس المهنية نفسها والمدارس الأخرى بكثير من الأثاث والتجهيزات اللازمة لها، وتمكين مئات الخريجين من تأسيس مئات الورش الخاصة بهم في كل محافظة، والحال نفسه بالنسبة للكليات المهنية الجامعية.
ودعماً للتعليم المهني، فقد قضت تعليمات وزارة التربية بفرز نسبة موحدة من خريجي شهادة التعليم الأساسي لصالح المدارس المهنية في كل محافظة، تبعاً لارتفاع علامات الناجحين في كل عام، هذا الارتفاع المميّز المعهود في طرطوس، أدى لارتفاع علامة التسجيل في الصف الأول الثانوي العام، لصالح التسجيل في الثانويات المهنية، ما سبب امتعاض الكثيرين، ومع ذلك فقد لوحظ هذا العام أن عدداً من طلاب العلامات العالية في المحافظة، عزفوا عن التسجيل في الصف الأول الثانوي العام، واتجهوا مختارين للتسجيل في الثانويات الصناعية، قناعة منهم ومن ذويهم بالمستقبل الأفضل الذي ينتظرهم جراء هذا الاختيار، وهذا مؤشر يحسِّن من النظرة المجتمعية لأهمية التعليم المهني وفائدته العملية، خاصة وأن الواقع أثبت خلال السنوات الأخيرة، أن ذوي الاختصاصات المهنية أسرع وأسهل دخولاً إلى ميدان العمل والإنتاج، قياساً بالزمن الطويل والصعوبات التي يعاني منها ذوي الاختيارات العلمية، فعشرات الآلاف من خريجي الكليات الجامعية الأدبية لم يجدوا عملاً حسب شهاداتهم، رغم مضي سنين على تخرجهم، وآلاف من خريجي الكليات العلمية (الطب والصيدلة) لم يتمكنوا من تأسيس مكان عمل، نظراً للارتفاع الكبير في أسعار مواد البناء والتجهيزات الطبية والصيدلانية.
لقد تحسست الجهات الرسمية أهمية تنشيط دور التعليم المهني، وأولت أهمية لمراكز التدريب المهني الموجودة في كل محافظة، التي يؤمن كل منها تدريباً مجانياً وبأجر شهري رمزي لكل طالب في عدة مهن لمدة تسعة أشهر دراسية، ومن هذه المهن التدفئة والتكييف – التمديدات الكهربائية- الأعمال الصحية الداخلية – الحدادة اللحام والألمنيوم …. ويمنح الخريجون شهادة مهنية مصدقة من وزارة الأشغال العامة والإسكان، تؤهلهم للعمل في القطاع العام والخاص ولممارسة مهنة حرة.
ومؤخرا صدر القانون رقم / 38/ لعام /2021/ الخاص بالتعليم المهني، والذي يهدف إلى تنظيم مساره وتأمين كوادر عاملة تلبي احتياجات سوق العمل من مختلف المهن، وتأمين تدريب الطلاب في بيئة العمل الحقيقية عن طريق إحداث مراكز تدريب وورش إنتاج خاصة بالثانوية المهنية، بغية رفع سوية الخريجين من الناحية العلمية والعملية، وصولاً إلى المساهمة في دعم العملية الإنتاجية وتحقيق التنمية المستدامة، وقبل أيام اجتمعت اللجنة الفرعية لقانون الإنتاج رقم /٣٨/ في مديرية تربية طرطوس لمتابعة ضمان سير العملية التعليمية في التعليم المهني للعام الدراسي الجديد، ومتابعة الدورات التدريبية وسير أعمال المهن والدروس الفنية في المدارس الصناعية، وضرورة الإسراع بتنفيذ السياسة التربوية الجديدة للتعليم المهني وفق قانون الإنتاج، وتنفيذ ما جاء فيه لتحسين واقع التعليم والاستفادة من الموازنات الاستثمارية الخاصة به، بما يحقق إنتاج مادي وعملي فعال في المدارس أولاً ومنها إلى المجتمع، وتم وضع الخطوط العريضة للإجراءات الإدارية المعتمدة التي من شأنها أن تحقق ربطاً من خلال التعاقد مع القطاع الخاص والعام، وتحويل المدارس إلى ورشات صناعية إنتاجية (مركز إنتاج) ترفد المدارس بالمستلزمات وتحقق اكتفاءً ذاتياً لتلبية احتياجاتها من الأثاث المدرسي ومتطلباته وملحقاته مثل الأبواب – النوافذ _الستائر _المقاعد والهياكل الحديدية المصنعة، إضافة إلى ورشات الإصلاحات الميكانيكية والكهربائية واللباس المدرسي وما شابه.
وقبل أيام صدر عن سيادة رئيس الجمهورية المرسوم التشريعي رقم /250/ لعام /2022/ المتضمن إحداث منشأة إنتاجية في جامعة طرطوس باسم “مركز التصنيع والاستشارات العلمية”، وبموجب هذا المرسوم أصبح مشروع قادرون الذي تم إطلاقه في كلية العلوم سابقاً منشأة إنتاجية باسم “مركز التصنيع والاستشارات العلمية”، كما أنه مطروح مجدداً إدخال مادة التعليم المهني في كافة صفوف المدارس الرسمية، وهذا التنشيط المتتابع للتعليم المهني سيؤسس بشكل فعال لتنمية المشروعات الصغيرة، ويدعم نشاط الهيئة المعنية بذلك.
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية