أوروبا نحو التشرذم.. وروسيا تستعدّ لـ “تصحيح التاريخ”
تقرير إخباري:
مع تطوّر الأوضاع واتخاذها منحىً تصاعدياً تتزايد التساؤلات: أهي حرب جديدة؟ أم استمرار للعملية الخاصة الروسية ذاتها ضد نظام كييف؟
لا تزال روسيا صاحبة القرار والممسك الأول بزمام المبادرة حتى تاريخه، ومهما شعر نظام فلاديمير زيلينسكي بنشوات نصر كاذبة ووهمية من خلال بضعة كيلومترات مربعة أثناء تنفيذ قوات موسكو إعادة انتشار، فربّما يخفي ذلك وراءه بركاناً من الغضب الروسي على الغرب الداعم حتى اللحظة للقوات الأوكرانية رغم التحذير والوعيد.
في هذه المرحلة، تتوجّه روسيا بعد قرارها بالتعبئة الجزئية نحو إحباط محاولات كانت تلوح في الأفق للهجوم على دونباس وشبه جزيرة القرم مدعومةً من الدول الأوروبية وأمريكا لقضم وتفتيت أوكرانيا وجعلها مجموعة من نقاط التآمر على وحدة روسيا وسلامتها، بل الذهاب نحو ابتزازات ربما تكون نووية وهي ليست محصورة فقط باستهداف محطة زابوروجيه النووية بشكل متكرّر من القوات الأوكرانية وسط تصفيق الغرب، بل بتجرّئهم على التهديد باستخدام النووي ضد روسيا متناسين أنها دولة نووية تمتلك جيشاً تم تصنيفه الثاني، لكن قوّته الفعلية ما زالت تخفي مفاجآتٍ عارمة لقوى الغرب المتحاذقة.
كذلك تسعى أمريكا وبريطانيا وبروكسل الآن لدفع قوات كييف إلى نقل ساحة العملية الخاصة إلى الأراضي الروسية، مستغلين نشوة النصر الوهمي الذي ما زال زيلينسكي يعاني من سكراته.
“الناتو” من جانبه حاول التقليل من شأن الخطوة التي اتخذتها روسيا بإعلان التعبئة الجزئية، متذرّعاً بأن روسيا تفتقر للمعدات والتدريب، مع العلم أن روسيا لم تستخدم سوى السلاح التقليدي حتى اللحظة وسارت بعمليتها العسكرية بهدوء وعقلانية تامة على الرغم من اندفاع الغرب لمدّ القوات الأوكرانية بشتى أنواع الأسلحة والصواريخ، بشكل يؤكد مدى الحقد الغربي وتجرُّئه على وضع هدفٍ لنفسه باستهداف سلامة الأراضي الروسية بشكل ظاهر غير مخفيّ هذه المرة، كما يوحي ذلك بأن الولايات المتحدة والغرب مصمّمان على هزيمة روسيا، في حين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يرى خياراً أمامه غير النصر المؤزر وإنقاذ شعبه وكل من هم في خندقه من أطماع ذاك المحور الشرس، ويفترض على هذا المحور أن يأخذ بالاعتبار موقف روسيا كقوة نووية قبل أن يرتكب مزيداً من حماقاته التي تُظهر أنه يتعامل مع هذه الحرب كصراع حياة أو موت، ظناً منه أن تحقيق النصر سهل بعد أن مسح من خيالاته حجم القوة والثقة الروسية الكفيلة بمسح أوروبا بلحظات عن خريطة العالم في حال محاولتها الاعتداء على وحدة وسلامة روسيا. وأكدت روسيا في هذا المضمار أن أوكرانيا محتلة من دول الغرب، فقد حوّل زيلينسكي ونظامه جيشها إلى عبيد يخوضون حرباً بالوكالة لا ناقة لهم فيها ولا جمل ضد روسيا رغم عمق العلاقات والأواصر بين الشعبين الروسي والأوكراني.
وقد خاب ظنّ الغرب واختنق هجوم القوات الأوكرانية في خاركوف وزابوروجيه وخيرسون، عندما فاجأت جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك الشعبيّتان ومقاطعتا خيرسون وزابوروجيه الجميع بإعلان تنظيم استفتاء على انضمام هذه الأقاليم الأوكرانية إلى الاتحاد الروسي، وهذا الأمر يصبّ في حماية جزيرة القرم وتقوية اتصالها مع الأراضي الروسية، كما أن هذه الاستفتاءات ستصحح التاريخ وتقوّي شرعية روسيا في الدفاع عن تلك الأقاليم في حال طالها أي اعتداء سواء من أوكرانيا أم من “الناتو” على اعتبار أنها أراضٍ روسية.
وهذه الخطوات الذكية والمباغتة من روسيا تضاف إلى ثقلها العسكري وتصبّ في خانة إرغام الغرب المشغول بإعداد عقوبات جديدة على روسيا على إنهاء الصراع قبل وصول نار الحرب النووية نحو دوله، وكما قال الدبلوماسي الروسي السابق ألكسندر زاسيبكين: إنّ “المواجهة مع الغرب هي معركة وجود بالنسبة لروسيا وقد دخلنا مرحلة الحرب العالمية الثالثة”.
لقد بيّنت الأيام الأخيرة مدى عمق وقوة الإرادة الروسية في مخالفة إملاءات أمريكا والغرب، ومدى إصرارها قيادة وشعباً على إطباق السيطرة على امتدادها العالمي في محور جديد يتحدّى سنواتٍ من هيمنة الغرب المتهاوية، وقادم الأيام سيكمل رسم الصورة التي يترقبها العالم الجديد.
بشار محي الدين المحمد