روسيا وخططها التكتيكية في أوكرانيا
ريا خوري
ما زالت الماكينة الإعلامية الغربية تطنب في الحديث عن إلحاق القوات الأوكرانية “هزيمة كاسحة” بالقوات الروسية وحلفائها، لكن في الحقيقة لا يبدو الأمر دقيقاً، ولا يشير إلى تغيير حقيقي أو جذري في مجريات العمليات العسكرية. والأرجح أن ما تعتبره أوكرانيا وداعموها نصراً، تراه روسيا الاتحادية عملاً تكتيكياً يخدم الإستراتيجية، وهو عمل من أعمال الحرب يمهد للخطوة التالية المدروسة بإحكام طالما أن كبار المسؤولين في روسيا يؤكدون أن العملية العسكرية الخاصة ماضية في مسارها ضمن خططها المرسومة حتى تحقيق أهدافها التي أعلنتها القيادة الروسية.
في الواقع، يتابع الأمريكيون بدقة يوميات المعارك، ويرصدون تفاصيلها الدقيقة، ولكنهم لا يسلّمون على الإطلاق بأنّ ما تحقق في الأيام الأخيرة يمكن اعتماده مكسباً عسكرياً لأوكرانيا وجيشها، بل يتخوفون مما قد تخبئه القيادة السياسية والعسكرية في روسيا. هذا التخوف يصدر عن قناعة بأن الجيش الروسي هو جيش قويّ جداً ويملك عتاداً عسكرياً ضخماً وخبرةً لا يُستهان بها وتصعب هزيمته في معركة أقل بكثير من قدراته الفعلية. وبناء على ذلك، وبما يملكه من معلومات ومعطيات عن قدرات ذلك الجيش الهائلة، أكد الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، وجوب أخذ الحيطة والحذر، وانتظار ما ستفعله القيادة الروسية رداً على ما اعتبرها مجرد “انتكاسات” على خطوط التماس في خاركيف.
لكن جاء الردّ سريعاً على لسان الرئيس فلاديمير بوتين الذي أكد أن روسيا ماضية نحو تحقيق أهدافها، ودعا من أجل ذلك إلى “تعبئة جزئية” لنحو ثلاثمائة ألف جندي روسي سيتمّ نشرهم على طول الحدود الروسية الأوكرانية التي تمتد إلى نحو ألف كم.
من الطبيعي أن يغلب على هذه الحرب التكتيك أكثر من الإنجاز الميداني، فأهدافها السياسية والاقتصادية والإستراتيجية أوسع من نطاقها العسكري بكثير، وتتجاوز حدود منطقة العمليات العسكرية.
على سبيل التأكيد، مع اقتراب دخول الصراع العسكري في أوكرانيا شهره الثامن، قرّرت مناطق دونباس وخيرسون تنظيم استفتاءات أواخر الشهر الجاري للانضمام رسمياً إلى جمهورية روسيا على غرار ما جرى في شبه جزيرة القرم عام ٢٠١٤، وإذا تمّ هذا الأمر فسيكون منعطفاً حاسماً لهذه الحرب، وقد عبّر عن ذلك ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي حين قال: “إن مثل هذه الاستفتاءات ستغيّر مسار التاريخ الروسي، وتتيح للقيادة الروسية المزيد من الخيارات للدفاع عن الأراضي الروسية جميعها”. بهذا المعنى الواضح والصريح، يكون الانسحاب العسكري الروسي من بعض الجبهات في دونباس وخيرسون تكتيكاً عسكرياً مدروساً، وربما لن يكون مسار العمليات بعد الاستفتاء كما قبله، بدليل تأكيد ديمتري ميدفيديف أنّ التعدي على الأراضي الروسية جريمة تسمح باستخدام جميع قوات الدفاع عن النفس، وفي هذه الحالة فإن العملية العسكرية ستنتقل إلى الحرب الشاملة التي لا هوادة فيها، وحينها ستكون التداعيات والاستحقاقات أكبر وأخطر بكثير مما جرى في السابق.