الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الاستهدافات المتتالية

عبد الكريم النّاعم

بقليل من الجهد الذي لا يحتاج إلى تركيز كبير، ولا إلى مراجع وكُتب، بل هو حصيلة ما طالعناه، ولا يحتاج لمختصين للتنقيب فيه، إلاّ في حالة البحث الاستقصائي الأكاديمي، بقليل ذلك الجهد يمكن أن نلاحظ أنّ بلادنا كانت مستهدَفة من قبل القوى الطامعة الغربيّة، ولئن اختلفت الأسباب الظاهرية بين فترة زمنيّة وأخرى، فإنّ الأهداف العميقة لم تتغيّر، وهي وضع اليد على هذه المنطقة، بموقعها الاستراتيجي، وبما تضمّه من خيرات في باطنها، سيظلّ الغرب بحاجة إليها لأزمنة طويلة، وتقليل بعض الدارسين من قيمة ذلك ليس إلاّ ذرّاً للرماد في العيون، وتضليلاً للعقول، لئلا يكشف المستور من تلك التحرّكات، ولم تعد خافية إلاّ على أعمى، أو متعامٍ، أو متعصّب لدرجة العَمَه.

أولى تلك الاستهدافات الغربيّة كانت حروب الفِرَنْجة، ولا أقول “الصليبية”، لأنّ ما نال المسيحيين في هذه المنطقة من قتل وحرق وتهجير كان شيئاً فظيعاً، لقد كانت أطماعاً توسّعيّة، وتصديراً لأزمات داخليّة عانتها أوروبا آنذاك، وبواعث دينية شديدة التطرّف.

ثانيها: خروج أوروبا في موجة استعماريّة طاغية، لاحتلال البلدان الضعيفة، ولاسيّما ذات الخيرات الوفيرة، والمواقع الاستراتيجية، وكان أنْ احتُلّت المنطقة العربيّة في فترات متباعدة، زمنها قصير بمنطق التاريخ، فاحتُلّ هذا الوطن من أقصاه إلى أقصاه ولم ينجُ من الاحتلال إلاّ شمال اليمن لعجزهم آنذاك عن دخوله بسبب وعورة أرضه، وبأس سكّانه، ولم تكن ثرواته الباطنة معروفة، وقد احتُلّ جنوبه كميناء استراتيجي مهمّ، وكمحطة تصل بين الغرب الأوروبي، والشرق الأقصى، وواجه المعتدون فيها مجابهات شرسة، وشريفة من القوى الوطنيّة، ولكنّ العدو كان أكثر ثراء، وقوّة عسكريّة، وامتلاكا لأدوات الغَلَبَة.

صحيح أنّ مقاومات نوعيّة عرفتْها هذه الأرض منها، “الجزائري” في الجزائر، و”الخطّابي” في المغرب، و”المختار” في ليبيا، و”صالح العلي” وأقرانه في سورية، وثورة العشرين في العراق – كنماذج – بيد أنّها كان محكوماً عليها بالفشل بسبب فقر السكان، وقلّة الموارد، ولم تكن المنطقة قد تخلّصت بعد من أوضار الاحتلال العثماني، وما حمله لهذه البلاد من تجهيل، وتخلّف، وتعصّب مذهبي أعمى، ما زلنا نعاني منه، ونواجه مَن يريد استلهامه من جديد.

كان من نتيجة ذلك حدثان هما الأبرز: الأول هو إقامة الكيان الصهيوني فوق أرض فلسطين، ووضع اليد على منابع البترول، وما زلنا نواجه يومياً تأثيرات إقامة الكيان الصهيوني، والحرص على مصادر الطاقة البتروليّة، وأضيف إليه الآن بحار من الغاز.

في فلسطين التي ظنّ المعتدون أنّها ستكون الموقع الذي يضمن إقامة قلعة عسكرية للغرب الأوروبي أولاً، ثم لوريثته أمريكا،.. في فلسطين لم تهدأ الثورات الداخليّة، ولا المواجهات العربية التي تجلّت في حرب تشرين 1973، والتي أرست أُسس أنّ المواجهة ممكنة، ولولا خيانة السادات لتغيّر وجه المنطقة.

الموجة الثالثة كانت محاولة تسليم المنطقة، بحساسيتها، وببترولها، وبموقعها، لقوى دينية متخلّفة، شديدة التعصّب المذهبي، هذا التعصّب الأعمى الذي سيظلّ الممرّ السرّي للوصول إلى القلعة عبر أنفاقها، وستبقى نقطة الضعف هذه قائمة ما لم يتمّ استئصالها بأساليب، وخيارات متنوّرة، تقدّميّة تُخرج إنسان هذه المنطقة من ظلمات العتْمة إلى نور البصر والبصيرة، ولاسيّما أنّ هذه القوى الظلاميّة قد استُخدمت في العديد من المرّات، ولم يعد أمرها خافياً على وطنيّ صادق، وهذا يوجب الحذر الدائم منها، ومن أيّ لبوس تتنكّر فيه، وقد تمّ إيقاف الزحف الدّاعشي المذهبي الظلامي، ولئن بدا أنّ قوّة الزلزال قد خفّت فإنّ ارتداداته ما تزال ممكنة.

في خضمّ هذه الصورة تبدو “المقاومة” المركبَ الذي يمخر العباب، ويُضيء الظُلْمة.

aaalnaem@gmail.com