في آخر مقابلة لها.. نورا رحّال تنكأ جراح المغنين السّوريين
نجوى صليبه
سجّل عام 1997 انطلاقتها التّلفزيونية والسّينمائية، إذ أدّت الممثلة والمغنية نورا رحّال شخصية “بديعة” في فيلم “التّرحال” (إخراج الرّاحل ريمون بطرس)، وشخصية “السّنيورة” في المسلسل التّلفزيوني “هوى بحري” كما غنّت شارة بدايته، ومن خلاله تعرّف المشاهد السّوري على صوت نقيّ رقيق جديد قادم من كنائس باب توما في دمشق، وفي عام 1998 أدّت رحّال شخصية “اللوما” في المسلسل التّلفزيوني “سفر” (إخراج حاتم علي)، غير مبتعدة عن شخصيتها الهادئة والطّامحة، وبعدها توالت مشاركاتها بما يتناسب وظرفها العائلي وشروطها المهنية، فشاركت في أعمال تلفزيونية عديدة منها “أهل الغرام” و”كوم الحجر 2007″ و”أثر الفراشة 2019″ و”جوقة عزيزة 2022″، وفي السّينما “مجنون أميرة 2009″، و”الأم 2015” و”ماورد 2016″، وغيرها.
وبالتّوازي مع التّمثيل كانت رحّال تعتني بصوتها وموهبتها الأساس وتحترمها وتسعى إلى إكرامها دائماً، غير مستعجلة على شهرة زائفة أو متواطئة مع شركات إنتاج لا تتوافق مع تفكيرها، وهذا ما عبّرت عنه مراراً وأعادته في آخر مقابلة تلفزيونية لها، تقول: أنا لم أساوم أبداً لأنّي أقدّر موهبتي كثيراً وأحترمها، ولا أريد إذلالها مقابل أي شيء.. فشلت في بعض الأماكن لأسباب خارجة عن إرادتي، كنت أتمنى الاستمرار بإنتاج الأغنيات، لكن في سورية لا يوجد لدينا شركات إنتاج مخصّصة للغناء، وفي بيروت سيطرت الشّركات الخليجية وأوقفت عمل الشّركات اللبنانية الصّغيرة، وكلّ ما نراه اليوم هو جهد فردي والنّاجح لديه مدير أعمال خاصّ فيه.. أنا أريد تقديم فن يشبهني وبلغتي وفنّي، وأن أشتغل مع ناس لديهم الأحلام ذاتها والمنطق ذاته، معيدةً بذلك نكء جراح المغنين السّوريين المستمرة منذ عقود طويلة، والتي – على ما يبدو – لم ولن يجد لها المعنيون حلّاً، وكأنما لا مشكلة لديهم في هجرة هذه الأصوات واستقطاب الدّول الأخرى لها واحتكارها وإجبارها بحكم الظّروف والحاجة للعمل والاستمرار على تقديم ما لا يقتنعون به من كلمات وألحان وظهور. نتحدّث عن أصوات قوية وفريدة ومميزة سمعناها وشاهدناها قبل اشتراكها في برامج المسابقات ووصلت إلى المرحلة النّهائية في دورات أو المتقدمة في دورات أخرى.. أصوات لم نعد نسمع جديداً لها إلّا أغنيةً كلّ بضعة أعوام وإن كان لديها أكثر فيحول ضعف التّسويق دون وصولها، كما لا تكون بالمستوى الذي عُرفوا به أو كان سبب انطلاقتهم وشهرتهم عربياً وعالمياً -كجالية عربية منتشرة في أرجاء العالم- لماذا لا ندعم الصّوت الجيّد ونقطع الطّريق أمام غير الجيّد السّيئ عوضاً عن توقيع صاحبه على تعهّد بعدم استخدام ألفاظ نابية في سهرته، وأقول سهرة لأنّها لا ترقى لأن تكون أغنية يحتفل بها. أما كان حريّاً بنا أن تكون تلك المواهب في برنامجنا وخطّتنا السّنوية نبثّها ونعرضها ونسوّقها وندعمها بكلّ السّبل على مستوى الوطن العربي قبل أن نمنع ونتعهّد ونتصالح؟
نورا رحّال منذ بدايتها وحتّى اليوم لم تطلق سوى خمسة ألبومات، اثنان مع شركة “روتانا” وواحد مع “ميوزيك ستار” وألبوم مع “ميجا ستار”، وصوّرت بعض الأغاني، في حين حرص المغنّي العربي تحديداً اللبناني على إنتاج ألبوم كلّ عام أو عامين، طبعاً عدا “الأغنية السنغل” التي ينتجها ويصوّرها في كثير من الأحيان.
وكغيرها، شاركت رحّال في مهرجانات وسهرات تلفزيونية سورية ومن ثمّ لبنانية وعربية، وفي كلّ مرّة تطغى روحها وتفكيرها وثقافتها في أي حديث يُطرح، سواء أكان فنّياً أم شخصياً أو اجتماعياً، معبّرة عن انزعاجها من وصفها الدّائم بالجميلة والالتفات إلى شكلها فقط. تقول: دائماً كانوا ينظرون إليّ كفتاة جميلة، وهذا أمر كان يزعجني لأنّي أحبّ أن يدركوا عقلي وتفكيري، لماذا لا يكتبون “الفتاة الفهمانة”؟. أنا أقدّس عقلي وأحبّ احترامه واحترام الآخرين له.. الشّهرة ليست فرحاً، إنّها متعبة جدّاً ونصبح محاصرين ومحسوباً علينا كلّ شيء، لأنّنا يجب أن نكافئ الآخر على حبّه.
“الفنّ ليس أولوية في حياتي، وأشتغل في الوقت الذي يناسب أولويات بيتي وأسرتي، لكنّ أحبّ أن يضيف إلى حياتي جمالاً وفرحاً”.. عبارة تقولها رحّال بصدق على عكس مغنيات كثيرات ممّن نادين بأنّ الفنّ هو كلّ حياتهنّ وأنّهنّ يحاولن المساواة بينه وبين عائلاتهنّ، وهذا يقودنا إلى الحديث عن بعض المغنين والمغنيات الذين كانوا يتذرّعون بالأسرة لتجنّب إثارة الحديث حول شركات الإنتاج ومتطلباتها وشروطها القاسية وغير المنصفة، وحول حاجتهم للعمل في المهنة التي يحبّون، أملاً بعقد مستقبلي معها، لذلك اتّجهت نسبة كبيرة منهم إلى إنشاء مشاريع تجارية خاصّة كـ”صالون” حلاقة أو مستحضرات تجميل وغيرها، وكأنّ الجمهور لا يعرف أنّ شركات الإنتاج العربية لا تهتمّ للعقل الرّاجح والفكر النّظيف، وأنّها تركّز اهتمامها على فتاة حسناء تتغنج في الـ”فيديو كليب” وتقول بضعة كلمات وتكرّرها من بداية الأغنية إلى نهايتها!
ظروف عمل صعبة وشروط أكثر صعوبة يعيشها المغنّون السّوريون في ظلّ غياب شركات إنتاج محلية تُعنى بهم، دفعت بعضهم إلى قبول عقود عربية بشروط من النّاحية المادية جيّدة جدّاً لكن من النّاحية المهنية لا يعوّل عليها، والبعض الآخر قرّر الإنتاج من ماله الشّخصي حين توافره ليغيب فترة طويلة ويعود بأغنية وحيدة، وهذا ما حصل مع رحّال، ففي كلّ مرّة تقرر اللاعودة إلى الفنّ تعود بأغنية أو مسلسل جديد يشاهده جيل اعتاد غيابها وآخر يسأل: من هذه الممثلة أو المغنية الجديدة؟.
تبلغُ اليوم نورا رحّال من العمر الخمسين، لذا سنقول: ثلاثون عاماً والوضع على حاله.. أما آن الوقت لنعطي بالاً لهذا الفنّ أسوةً بغيره؟