هل أتى الدور على رغيف الخبز؟ ولماذا لا تنتقل “السورية للمخابز” من الخسارة إلى الربح؟
البعث الأسبوعية ـ علي عبود
لا تملّ بعض الجهات الحكومية من “تمنين” المواطنين برغيف الخبز، ويعزف البعض الآخر على أسطوانة “الحكومة تتكبد خسائر جسيمة لبيع ربطة الخبز لملايين الأسر السورية بسعر زهيد، بل وشبه مجاني”!
وما يُثار حاليا من استبعاد شرائح جديدة من الدعم من جهة، وحديث مفاجئ عن ارتفاع تكلفة ربطة الخبز من جهة أخرى دفع المواطن إلى التساؤل بخوف مبرّر: هل أتى الدور على الرغيف؟
وإذا كانت اللجنة الاقتصادية رفعت أسعار المحروقات المرة تلو الأخرى لتخفيض خسائر وزارة النفط، فإنها لا تزال تتهيب فعلها مع رغيف الخبز بهدف تخفيض خسائر وزارة التجارة الداخلية!
وبدلا من “الحكي” الممل عن خسائر بعض الوزارات أو المؤسسات الحكومية لماذا لا تنشغل اللجنة الاقتصادية بالتعويض عن الخسائر التي تلحق بالقدرة الشرائية بالمواطن جرّاء رفع أسعار جميع السلع والخدمات!
لا شك أن الدولة تدعم الخبز، لكن الحكومة تسترد أضعاف هذا الدعم برفع أسعار منتجاتها وخدماتها المرة تلو المرة إلى حد لم يعد الأجر الأعلى المسقوف يكفي لتأمين الحد الأدنى من مستلزمات المواد الغذائية الأساسية.
ولا يجوز أن تخطط وزارة التجارة الداخلية، التي تقول أنها تحمي المستهلك، لتخفيض خسائر “المؤسسة السورية للمخابز” برفع سعر الرغيف، فالأجدى أن تخطط لنقل المؤسسة من الخسارة إلى الربح.. فهل هذه المهمة متاحة أم مستحيلة؟
حسابات التكاليف الوهمية
ومهما قيل في تكلفة ربطة الخبز فإن حساباتها وهمية وورقية ولا تستند إلى معطيات دقيقة، والسؤال: كيف توصلت وزارة التجارة إلى أن تكلفة ربطة الخبز لا تقل عن 3700 ليرة؟
لا يمكن اختزال المسألة بالخبز فقط، فالحكومة التي تحتكر تجارة القمح لا تبيعه للجهات الخاصة بسعر مدعوم، فهل تم إدخال الأرباح هنا في حساب تكلفة الرغيف، وماذا عن الهدر، وتهريب الدقيق، واهتراء خطوط الإنتاج وغيرها؟.
ولو عدنا إلى السنوات السابقة لاكتشفنا أن سعر تكلفة ربطة الخبز وزن 1300 غرام ارتفع من 270 ليرة إلى 310 ليرات في عام 2019 انعكس عجزاً تموينياً بقيمة 378 مليار ليرة.
وعندما يعلن وزير التجارة الداخلية مؤخرا أن تكلفة ربطة الخبز وزن 1100 غرام تبلغ 3700 ليرة، فإننا فعلياً أمام ارتفاع وهمي لأن التكلفة في عام 2019 محسوبة على سعر صرف رسمي أقل من السعر الحالي، وتستند إلى أسعار حوامل طاقة رفعتها الحكومة وليس أي أحد آخر!!
كما أن ارتفاع أجور النقل، وأجور العمال تلعب دورا في زيادة تكلفة ربطة الخبز، بل لو أن العمالة في الأفران تتقاضى أجورا وحوافز منصفة لكانت تكلفة الربطة أكبر، ولكن لا يمكننا تجاهل إن كل أسعار مستلزمات إنتاج الرغيف هي صناعة حكومية، وبالتالي الكلفة ليست واقعية، والأجدى التخطيط لنقل مؤسسة المخابز من الخسارة إلى الربح، وعندها لن تدعم الحكومة رغيف الخبز وستتوقف عن “تمنين” السوريين بأنها تبيعهم الخبز بسعر رمزي أو شبه مجاني مقارنة بتكلفته الورقية أي الوهمية!
أكياس نايلون مجانية!
وبما أن كيس النايلون جزء من تكلفة الرغيف فلماذا لا تخطط وزارة التجارة الداخلية لتأمينه مجانا؟
الفكرة ليست جديدة فقد سبق لإحدى الجهات الخاصة في عام 2019 أن أعلنت عن استعدادها لتقديم أكياس خبز جيدة مقابل الترويج لمنتجاتها على أكياس الخبز.
كما أعلنت الشركة العامة للمخابز في تشرين الثاني من عام 2019 عن إمكانية منح إعلانات مجانية لمن يرغب على أكياس النايلون لقاء تقديمها مجانا للشركة!
وكاد المشروع يتحول إلى فعل من خلال الإعلان بشكل رسمي عن استدراج عروض للتعاقد بالتراضي مع الراغبين بوضع إعلاناتهم على أكياس ربطة الخبز، وتقرر حينها أن يتم وضع الإعلان على الوجه الأول للكيس وعلى الوجه الثاني يوضع شعار الشركة العامة للمخابز.
ويمكن اليوم إحياء المشروع، ليس بالنسبة لأكياس الخبز فقط وإنما لأكياس السورية للتجارة بحيث يوفر ربحا محققا يخفض سعر ربطة الخبز.
هل يفعلها الوزير؟
وإذا كانت قيمة أكياس الخبز بلغت في عام 2019 أكثر من ملياري ليرة، فالمبلغ ارتفع أكثر الآن، وبالتالي فإن إحياء المشروع مجددا يعني توفير عدة مليارات ستخفّض كلفة ربطة الخبز، بل إن المدير السابق للمخابز أكد منذ ثلاثة أعوام إن أكياس النايلون الإعلانية، سينقل المؤسسة من الخسارة إلى الربحية!
وبما إن هذا المشروع الربحي يحتاج إلى قرار من اللجنة الاقتصادية أو رئاسة الوزراء، فإن وزراء التجارة الداخلية السابقين تهيبوا من تبنيه على الرغم من الإعلان عن استدراج عروض بالتراضي لتنفيذه، وبالتالي فإن الوزير الحالي الدكتور عمرو سالم الذي لم يتوقف منذ استلامه لوزارة التجارة الداخلية عن إطلاق المبادرات يمكنه تبني مشروع أكياس النايلون الإعلانية وانتزاع قرار من اللجنة الاقتصادية بتنفيذه.. والسؤال:هل سيفعلها؟
بل لماذا لم يفعلها حتى الآن؟
ليس مفيدا تكرار معزوفة التكلفة المرتفعة لربطة الخبز، فالأجدى تنفيذ آليات وأساليب تستثمر الإمكانات المتاحة لدى المؤسسة العامة للمخابز ونقلها من الخسارة إلى الربح، وأكياس النايلون الإعلانية ليست سوى مجال واحد من خيارات استثمار هذه الإمكانيات، وهناك خيارات أخرى يُفترض أن تكون خطرت على بال وزير التجارة الداخلية .. فما هي هذه الخيارات؟
استثمار جدران وأسطح المخابز!
الفكرة ليست جديدة فقد سعت شركة المخابز الآلية في أيار 2019 قبل دمجها مع لجنة المخابز الاحتياطية في مؤسسة واحدة “المؤسسة السورية للمخابز” إلى استثمار المباني والعقارات التابعة لها عبر وضع لوحات إعلانية على أسطحها وجدرانها لمصلحة الجهات العامة والخاصة، أي مثلما يفعلها القطاع الخاص أفراد وشركات، لكن إدارات المؤسسة المتعاقبة لم تُكمل الفكرة، وتحولها إلى مشروع رابح، وكأنّه لا يهمها تخفيض تكلفة الرغيف!
وبما أن غالبية الأفران في المدن تشغل مواقع تصلح للاستثمار فإننا نقترح أن تقوم (السورية للمخابز) بتأجير أسطحها وهي بمساحات كبيرة للقطاع الخاص ليقيم عليها مولات بطابق واحد على الأقل، أو مطاعم حسب كل موقع، أو تدخل بشراكة مع بعض المستثمرين لإقامة هذه المولات والمطاعم، وهذا الاستثمار مع أكياس النايلون الإعلانية سينقل السورية للمخابز من الخسارة إلى الربح، وبعدها لن تلوّح وزارة التجارة بين الحين والأخر بخيار رفع سعر ربطة الخبز بذريعة كلفتها الباهظة!
الخلاصة: بدلا من أن “تُمنن” وزارة التجارة الداخلية ملايين السوريين ببيعهم ربطة الخبز بسعر زهيد مقارنة بتكلفتها الورقية، فلتبدأ بتنفيذ مشاريع مجزية ومدرّة للأرباح سواء في السورية للمخابز أم في مؤسسات الوزارة الأخرى، والأمر يحتاج فقط إلى جرأة باتخاذ القرارات الشجاعة لصالح ملايين الأسر السورية محدودة الدخل!