مجلة البعث الأسبوعية

ماذا يعني أن تكون مواطناً صالحاً؟! آراء ووجهات نظر مختلفة هل تلقى المتابعة والاهتمام؟

البعث الأسبوعية – غسان فطوم

تركت الحرب في سنواتها الـ /11/ الأخيرة الكثير من التأثيرات على السوريين، فهي دمرت الحجر وقتلت البشر وحرقت الشجر، وكانت النتيجة خسائر فادحة على مختلف الصعد، والمؤسف أن عدّاد الخسائر ما زال متصاعداً، والمؤلم أكثر أن الفساد بكل أنواعه الذي استفحل يعتبر اليوم أكبر التحديات أمام مرحلة إعادة الإعمار التي اقتربت مع وصول الحرب إلى خواتيمها على مختلف الجبهات، باستثناء بعض العمليات الخاطفة التي يتعامل معها جيشنا الباسل بالطريقة المناسبة بانتظار ما ستؤول إليه الأمور في المرحلة القادمة.

ووسط هذه الظروف الصعبة التي نعيشها، خاصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية ليس في سورية فحسب، وإنما عالمياً، ثمة أسئلة تطرح نفسها عن دور الفرد داخل مجتمعه، لجهة ما يمكن أن يقوم به للتخفيف من حدة الأزمات كل في موقعه، حيث الجميع مطالب بالعمل ليكبر الأمل بتخطي ما نحن فيه من صعوبات، ولعل السؤال الأهم : ماذا يعني أن تكون مواطناً صالحاً؟.   

تعددت وتنوعت الإجابات التي أدلى بها العديد من الشخصيات بمواقع مختلفة، لكن القاسم المشترك كان التأكيد على الانتماء الحقيقي للوطن والشعور بالمسؤولية وتأديتها بأمانة أياً كان موقع صاحبها، ولم يخلو الأمر من آراء متشائمة ناتجة عن خيبات أمل من تراكم عثرات الحكومات المتعاقبة، خاصة (حكومات الأزمة) لجهة عدم نجاحها في إيجاد الحلول للمشكلات العالقة!.

 

فرصة مواتية

أن تكون مواطناً صالحاً عليك بالمقام الأول أن تقدم مصلحة الوطن على مصلحتك الشخصية، والكلام هنا للمحامي جابر خضر المحمد، مؤكداً أيضاً على التفاني والإخلاص بالعمل وأن لا يكون المواطن في مكان عمله نقطة انطلاق لأي شكل من أشكال الفساد والوهن، وعليه أن يتحلى بالشجاعة بالإشارة إلى الخطأ في محيطه، وبرأي المحامي محمد أن الفرصة مواتية اليوم أمام شريحة من السوريين كي يثبتوا أنهم مواطنين غيورين وصالحين في إشارة منه إلى أعضاء مجالس الإدارة المحلية الذين حصلوا في الانتخابات الأخيرة على ثقة الشعب الذي يعول عليهم ويطالبهم بالعمل الجاد بعيداً عن المصالح الشخصية الضيقة.

 

معايير خاصة

ومن وجهة نظر الدكتور سومر صالح الباحث والمحلل السياسي أن الإجابة على هذا السؤال مرتبطة بالمصدر الذي يضع معايير الصلاح، فلكل مصدر معاييره الخاصة، موضحاً أن كلمة مواطن تُحدد الإطار السياسي، وهنا يصبح المواطن الصالح هو المتقيد بالأطر القانونية الرسمية الدستورية، أما لو كان السؤال :ماذا يعني أن تكون إنساناً صالحاً” فستكون الإجابة متشعبة وربما تدخلنا بجدل فكري.

وتتفق وجهة نظر الدكتور معن سليمان مع ما سبق، فالمواطن الصالح برأيه هو الإنسان الذي يحترم القوانين والأنظمة ويتقيد بها، ويؤدي واجباته تجاه وطنه على أكمل وجه وبمسؤولية عالية، ويتفاعل بإيجابية تجاه قضايا البلد ونشاطاته العامة، ويبتعد عن ترويج كل ما يحبط الناس أو بث روح الاستهتار واللامبالاة بينهم.

 

معادلة متكافئة

أستاذ اللغة العربية محمد حمدان اعتبر أن المواطن عندما يكون صالحاً بفكره وسلوكه وصادقاً بانتمائه، فهو نواة أساسية لمجتمع خالٍ من المشكلات ويتحقق فيه مبدأ تكافؤ الفرص للجميع كل حسب إمكاناته وكفاءته، بمعنى عندما يكون المواطن مخلصاً ووفياً، فمن الواجب أن يكون الوطن مقدّرا ووفياً أيضاً لأبنائه، أي المعادلة متكافئة وفيها الخير للطرفين.

ولم يخفِ مدرس اللغة العربية أن أصحاب الكفاءات من الشباب وحتى أصحاب الخبرات ما زالوا يتعرضون للظلم، حيث لا تعطى لهم الفرص المناسبة لإبراز مهاراتهم في العمل بسبب التهميش الذي يتعرضون له، معرباً عن أمله بمشروع الإصلاح الإداري في إنصاف هؤلاء من خلال وضع معايير عادلة تُطبق بشكل عملي ولا تبقى مجرد حبر  على ورق!.

 

النوايا لا تكفي!

حتى يكون المواطن صالحاً يجب أن يتمتع بصفة الصلاح بأقواله وأفعاله لأن الوطنية تعمل ولا تتكلم، أي نية الخير لا تكفي لأن تكون مواطناً صالحاً، بحسب السيدة أديل خليل، مؤكدة أن للمواطن حقوق يجب أن يحصل عليها بما يحقق له العيش الكريم، وتمكينه من التعليم والصحة والعمل وغيرها من الحقوق حتى يشعر المواطن بكرامته وبأهمية وجوده في وطنه، وهذا برأيها يحفّز المواطن على تحمل المسؤولية والالتزام بالأنظمة والقوانين وبكل المعايير والأسس التي تُحقق وتحافظ على أمن وأمان الوطن.

وفي ذات السياق قالت الزميلة الإعلامية وفاء الآغا: أن تكون مواطناً صالحاً يعني أن تكون كرامتك مصانة ولك حق حرية التعبير وأن تتساوى مع الجميع تحت القانون وأن تأخذ فرصتك بالعمل المناسب وأجرك بالجهد المناسب وأن تكافأ عندما تستحق وتعاقب أيضاً عندما تتعمد الخطأ بنية خلق حالة من الخلل في مكان العمل يؤدي لنتائج سلبية كبيرة.

 

الإشكالية الكبرى!

ويقول سامر رزق: حتى يصبح الفرد مواطناً صالحاً، يجب أن يشعر بالانتماء للوطن، وهنا الإشكالية الكبرى المختلف عليها، فالبعض يرى أن شعور الانتماء ومدى قوته يعتمد وبالمقام الأول على مدى تأمين الحكومة لمتطلباته الأساسية والكمالية أيضاً، ومدى صون كرامته ومستوى الأمن والأمان الذي ينعم فيه، وآخرون يقولون إن صلاح المواطن يرتكز على مدى ارتباطه بأرضه أي وطنه. لكن الواقع يؤكد أن المواطن ينظر إلى وطنه من خلال الحكومة القائمة في الفترة التي يحيا فيها، وأكبر دليل على صحة هذه الرؤية –بحسب رزق- هي الهجرات الجماعية لأوطان أخرى يرى فيها المهاجر ملاذاً قد يحقق فيه أحلامه.

 

ماذا فعلنا؟

وقالت نسرين المحمود: تسألون من هو المواطن الصالح، أنا أريد أن أسأل: ماذا فعلنا لوقف هجرة الكفاءات الشابة والخبرات في المهن والحرف؟، عشرات الآلاف من السوريين المميزين بمختلف مجالات العمل والذين ويحققون اليوم انجازات في بلاد الغربة نحن أولى فيها،وتضيف: عندما نحقق لشبابنا كل ما يريدونه ويحتاجونه بالتأكيد سيعملون بأقصى جهودهم وبانتماء عالٍ للوطن.

بالمختصر، السوريون الصامدون الذين تحملوا الصعاب وواجهوا كوارث الحرب بالتضحية والتفاني من أجل كرامة وسيادة قرار الوطن، هم بلا شك مواطنون صالحون ولديهم انتماء فطري حقيقي لا يشك فيه، ولكن حتى تتحقق العدالة الاجتماعية بأجمل حالاتها والموطنة الحقة كلنا أمل أن تتحقق الوعود التي أطلقت، وما يهمنا منها هو الاهتمام بمستقبل الشباب والمحافظة على الخبرات، وتحسين أوضاع المواطنين ليكونوا أكثر قدرة على تحمل صعوبات المرحلة، خاصة وأن الأعذار لم تعد تنطلي على أحد، فالوطن “مليان” خيرات وموارد بشرية واقتصادية، ويحتاج فقط لمن يعرف يديرها ويستثمرها ويضعها في خدمة الوطن والمواطن الصالح.