هل تستطيع أوروبا التغلب على أزمة الطاقة؟
ترجمة وإعداد: هناء شروف
تعاني أوروبا كلها، وليس الاتحاد الأوروبي فقط، من عواقب الارتفاع الشديد في أسعار الطاقة، وخاصة أسعار الغاز والكهرباء، وانقطاع إمدادات الغاز الروسي. ومع توجه منطقة اليورو نحو ركود اقتصادي، يتعرض الناس والشركات في أوروبا لصدمات أكبر.
وقد أقر جميع قادة الاتحاد الأوروبي بالوضع الصعب للغاية الذي تمر به أوروبا الآن، ووفقاً لـ “اكسفورد ايكونومي”، فإن بعض المشكلات الاقتصادية وخاصة التضخم هي نتيجة تفشي جائحة كوفيد 19، وما نتج عن ذلك من تحويل لمبالغ ضخمة من الأموال للتعامل مع العواقب الاقتصادية للوباء.
ومع ذلك جاءت أكبر ضربة اقتصادية للاتحاد الأوروبي من الصراع الروسي الأوكراني، لأنه صرف انتباه الكتلة الأوروبية عن تنفيذ سياسات اقتصادية مناسبة لامتصاص صدمة التضخم.
لقد حذر رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو مؤخراً من أن “فصل الشتاء القادم سيكون صعبا”، حيث وصلت أسعار الوقود وفواتير الكهرباء إلى مستويات قياسية، والأسوأ من ذلك أن أزمة الطاقة غذت أزمة السيولة التي أدت إلى حالات الإفلاس.
كذلك تعرضت شركات الطاقة الأوروبية لضغوط بسبب “طلبات الهامش” – الحاجة إلى رأس المال لتأمين تجارة الطاقة – بما لا يقل عن 1.5 تريليون دولار، إذ قدمت “أو تيما” ، وهي منشأة متوسطة الحجم مقرها بالقرب من برلين، وأول مورد ألماني للطاقة والغاز، طلباً للإفلاس بعد ارتفاع أسعار الكهرباء.
وفي النمسا، طلبت أكبر شركة طاقة في البلاد، وهي منشأة طاقة محلية من الحكومة، مساعدة بقيمة 6 مليارات يورو (5.89 مليار دولار).
إضافة إلى ذلك، قد تضطر الصناعات الكيماوية والتعدين الألمانية، ومنتجو الأسمدة والقطاعات الأخرى، إلى وقف الإنتاج لبضعة أشهر، ما يدفع أكبر اقتصاد أوروبي نحو الركود، ويضعف الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة تصل إلى 7 في المائة، وهو أمر لم يشهده الاقتصاد الألماني منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
يؤثر هذا الوضع على نجاح المشروع الأوروبي، أي الاتحاد الأوروبي، ككتلة اقتصادية، ونتيجة لذلك هناك حاجة إلى جهود سياسية واقتصادية هائلة للحفاظ على الاتحاد الأوروبي موحداً، وضمان استمراره في العمل من أجل الصالح العام. لكن وفقاً لبعض المحللين الجيوسياسيين، بدأت بعض دول الاتحاد الأوروبي بلعب ألعاب جيوسياسية فردية للحصول على فوائد لأنفسهم على حساب دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. بولندا على سبيل المثال، طالبت ألمانيا بدفع مليارات اليورو كتعويض إضافي عن الحرب العالمية الثانية.
على هذا النحو، يمكن أن يتحول ميزان القوة في الاتحاد الأوروبي إلى فرنسا، لأنه مع وجود صناعة الطاقة النووية فيها فهي في وضع يمكنها من ضمان إمداد ألمانيا بالكهرباء، ولكن للحصول على اليورانيوم اللازم لتشغيل محطات الطاقة النووية يتعين على فرنسا الاعتماد على روسيا وكازاخستان، وحتى الصين.
اليوم بسبب التضخم المرتفع، يشعر أكثر من 70 في المائة من سكان أوروبا بتأثير الانكماش الاقتصادي، حتى بات بعضهم لا يستطيع دفع ثمن الطعام، لذلك يمكن لهم أن يخرجوا إلى الشوارع للمطالبة باستقالة الحكومات، الأمر الذي قد يغير المشهد السياسي في أوروبا قبل انتخابات البرلمان الأوروبي لعام 2024، كما أن من أكبر المخاوف احتمال زيادة التطرف والإرهاب نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي.
السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة، كما هو الحال في عدد من الحالات الحرجة الأخرى، هو أن يزيد الاتحاد الأوروبي من تكامل احتياجات الدول الأوروبية، والسعي وراء المصالح الأوروبية، ويجب عليه تحديد أولوياته السياسية الخاصة، وتخصيص المزيد من الأموال والوقت لبناء “الاتحاد السياسي” الأوروبي، كما اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووضع قواعده الخاصة بحقوق الإنسان، ووضع معاييره الخاصة من أجل الديمقراطية.
لذلك وبدلاً من الخضوع لإملاءات الولايات المتحدة، على الاتحاد الأوروبي منع المزيد من التدمير للمشروع الأوروبي والقيم الأوروبية، ومنع الولايات المتحدة من التلاعب بالسياسة الخارجية للكتلة، والسعي إلى تعاون متوازن ومحترم مع الاقتصادات الأخرى، وعليه أن يتذكر مهمته التاريخية المتمثلة في إقامة سلام دائم في أوروبا، وهي المهمة التي صدر من أجلها إعلان “شومان” ومنحت جائزة نوبل للسلام إلى الاتحاد الأوروبي، ومنع أي تضارب في الأيديولوجية.