دراساتصحيفة البعث

هدنة لليمن أم للغرب؟

رغد خضور

منذ أشهر واليمنيون يسمعون وعوداً بتحسين أوضاعهم وإيجاد حلول لمشاكلهم.. وعودٌ عاش عليها أبناء اليمن مع إعلان الهدنة في نيسان الماضي، ويتردد صداها قبل كل تمديد، على أمل تحسين أوضاعهم، ولكن دون أي تغير ملحوظ في واقعهم.

اليوم يتكرر المشهد من جديد، مع قرب انتهاء موعد التمديد الثاني للهدنة، فالأصوات تتعالى في المحافل الدولية لإنقاذ اليمن، ونصرة أبنائه وضمان مصالحهم، وتكثر التحركات الدبلوماسية لمناقشة بنود تمت مناقشتها آلاف المرات سابقاً، دون أي مؤشر إيجابي لحلها.

إيجاد آلية لدفع رواتب الموظفين، وفتح الطرقات وزيادة عدد الرحلات الجوية إلى صنعاء، وتدفق الوقود بانتظام إلى الحديدة، ملفات يمكن أن تحل في حال تقرر تمديد الهدنة، بحسب الأمم المتحدة، ولكن تلك الإشكاليات العالقة منذ سنوات جراء الحرب على اليمن، لم تجد طريقها إلى الحل رغم كل جولات المفاوضات التي حصلت بعد إعلان الهدنة وقبلها، ولا تزال تشكل عائقاً أمام استمرار الهدنة.

ومع عدم إلتزام التحالف السعودي بتنفيذ أيّ من بنود اتفاق الهدنة واستمرار خروقات قواته له، تُصر صنعاء على التمسك بتلك النقاط كشرط وحيد لاستمرار الهدنة والتفاوض، وإلا فإن العودة للمواجهة العسكرية ستكون الخيار الوحيد أمامها لفك الحصار وإرساء الأمن والاستقرار وضمان حقوق اليمنيين، والذي لن يقتصر هذه المرة على نطاق البر وحده، بل سيكون البحر أيضاً ساحة للاشتباك مع العدو، حسب القياديين العسكريين في أنصار الله.

ونتيجة التخوف الغربي من تحول المعركة من البر إلى البحر، استنفرت جهات دولية عديدة، وبدأ مبعوثوها تحركاتهم في الشرق والغرب، للدفع بتمديد الهدنة الأممية، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، التي سارع مبعوثها إلى الإمارات والسعودية وسلطنة عمان لبحث ملف الهدنة، وحث الأطراف على تكثيف المفاوضات، فضلاً عن اجتماعات أمريكية مع مسؤولين دوليين في ألمانيا والنرويج، لدعم جهود الوساطة وتعزيز الهدنة في اليمن وتوسيعها.

واشنطن، التي لا تفكر باليمنيين وإنهاء معاناتهم وحل مشكلاتهم، تتحدث عن اتفاق موسع للهدنة غير واضح المعالم، خاصةً وأنها لم تتمكن طوال فترة الهدنة من إحداث أي تقدم إيجابي في أي بند من بنود الهدنة، إذا ما قلنا أنها هي التي كانت تضع العراقيل أمام تنفيذها، إذ تثبت التجارب السابقة عدم جديتها، والطرف الحليف لها، لرعاية أي اتفاق مفيد بالنسبة لليمنيين، ولكن ما هي غاياتها هذه المرة من التمديد؟ ولماذا تصر على الهدنة من الأساس؟

إذا ما أردنا بحث أسباب إقرار الهدنة من الأساس، بعد ثماني سنوات من العدوان على اليمن، فإنها تنبع من حاجة غربية وليس يمنية، للحفاظ على استقرار نسبي في أسوق الطاقة العالمية، بمعنى تأمين منابع وممرات الطاقة التي ستكون مصادر بديلة عن الوقود الروسي، لتخفيف برودة الشتاء على الأوروبيين، وعليه فإن واشنطن تسعى جاهدة لعدم التصعيد في اليمن تخوفاً من ضربات صاروخية محتملة على المنشآت النفطية السعودية.

ويضاف إلى ذلك أن إدارة بايدن غير مستعدة لفتح جبهة غير مستقرة في منطقة بالغة الأهمية لإنتاج النفط ومساره، فهي، والدول التي تستهلك كميات كبيرة من النفط، بحاجة لتعزيز أمن الممرين المائيين، مضيق هرمز في الخليج العربي، وباب المندب في البحر الأحمر.

الهدنة في اليمن تسير نحو طريق مجهول نتيجة تعثر التوصل إلى اتفاق حول بنودها، وسط ضبابية بالمشهد فيما إذا كان سيتم المضي نحو هدنة جديدة أو إلغاءها والعودة للمعارك والاشتباكات، بظل انعدام الثقة بين أطراف الصراع، واختلاف أهدافهم، فبينما يسعى طرف العدوان لتأمين مصادر طاقته ويواصل الدفع الحثيث لتمديدها لتحقيق غاياته، يسعى جانب صنعاء لرفع الحصار عن المطارات والموانئ ودفع رواتب الموظفين، بما يمكن أن يخفف عن اليمنيين الذين يتهدد خطر المجاعة الملايين منهم.