صحيفة البعثمحليات

خارج السرب

 

معن الغادري

تختلط الأمور وتزداد تعقيداً وعلى نحو بات من الصعب جداً التنبؤ بما سيترتب لاحقاً ومستقبلاً من أعباء معيشية ثقيلة وضاغطة على ذوي الدخل المحدود والمتوسط، بعد اصرار الحكومة على انتهاج سياسة رفع الأسعار لتغطية العجز الحاصل، دون الأخذ بعين الاعتبار ومراعاة ما يتقاضاه العاملون في الدولة من رواتب وأجور لا تغطي احتياجات يوم واحد لأسرة لا يتجاوز عددها أربعة أشخاص.

هذه الحقيقة المرة والواضحة وضوح الشمس، لا تبدو أنها غائبة عن الفريق الاقتصادي والذي على ما يبدو يغرد خارج السرب، ويسير في اتجاهات أكثر ما يستشف منها أنها لا تدعو إلى التفاؤل لا راهناً ولا مستقبلاً، بل على العكس تزيد من حالة الإحباط، وهنا تكبر الأسئلة حول الكثير من القرارات المتسرعة وغير المدروسة، والتي ما زال تأثيرها سلباً على الواقع المعيشي وعلى دورة الانتاج، والتي تشهد هي الأخرى واقعاً صعباً لا يمكن إغفاله أو تجاهله تحت أي مسمى أو شماعة. وهنا لا بد من التأكيد وللمرة المليون، أنه لم يعد منطقياً التعامل بذات العقلية والأريحية، فالأمر بحاجة إلى ما يشبه الصدمة للخروج من عنق الزجاجة والقفز فوق كل الحواجز، خاصة المفتعل منها، ما يستدعي تحركاً وتدخلاً ناجعاً عبر انتهاج سياسات حازمة وصارمة تجاه كافة الملفات، وتحديداً ما يتصل منها بملف الفساد، وما أنتجته الأزمات المتلاحقة من امبراطوريات مالية ضخمة لأشخاص برزوا وسطع نجمهم فجأة في سماء المال والأعمال والاستثمار، دون أن يسأل أحد منهم: من أين لك هذا؟

مما تقدم، وأمام ما يواجه البلاد من أزمات مالية واقتصادية ومعيشية، لا بد من مراجعة متأنية للحقائق على الأرض وإجراء تحليل دقيق للواقع الراهن ومجمل البيانات، لكشف مكامن الضعف وتحديد مواقع القوة. وبالتالي، إيجاد أفضل السبل والطرق للتقدّم خطوات جريئة باتجاه مواجهة التحديات والأزمات المتوقعة والمفتعلة.

ومن المفيد في هذا السياق إعادة تنظيم العلاقة بين جميع الشركاء في القطاعين العام والخاص، وحلحلة المشكلات العالقة لجهة مصادر التمويل والسياسات النقدية والمصرفية غير الواضحة، وقضايا أخرى ذات صلة بملفات متعثرة، منها ضعف الإمكانات والموارد والإدارة المتأرجحة والمترددة لملف الاستثمار، والذي يمكن أن يكون مفتاحاً لمرحلة أكثر انتاجاً واستفادة من الطاقات والموارد المتاحة. ونرى أن أي تأخير في إجراء مقاربة شفافة ومنطقية لمجمل ما سبق، سيضاعف من الأثر السلبي على واقعنا الاقتصادي والمعيشي، وسيؤدي بالنتيجة إلى تشكل امبراطوريات مالية بشخوص جديدة، ستأكل الأخضر واليابس، والبيضة مع قشرتها لاحقاً.