تحقيقاتصحيفة البعث

قبل 24 ساعة على انطلاقها.. لا صوت يعلو على صوت الامتحانات.. تحديات كبيرة و”التربية” تنبه من خطورة التوقعات و”الفيس بوك”

أقل من 24 ساعة على انطلاق امتحانات الشهادة الثانوية للفرعين العلمي والأدبي، وزارة التربية تدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها تجاه ضمان حسن سير العملية الامتحانية وإيصالها لبر الأمان، ولاسيما في ظلّ التحديات الكبيرة التي تواجهها في كل عام خلال الموسم الامتحاني، إذ لا صوت يعلو على صوت الامتحانات في هذه الوقت، فبعد استنفار منزلي للأسر على جميع الجبهات، والاهتمام المنصبّ على أبنائهم المتقدمين لامتحانات الشهادة الثانوية أو شهادة التعليم الأساسي، وإعلان حالة الطوارئ العائلية بــ”لاءات” (لا للزيارات.. لا للاتصالات.. لا لاستقبال الضيوف) “في بيتنا شهادات”، باستثناء زيارة المدرّس الخصوصي وأسعاره الجنونية التي تقسم ظهر ربّ الأسرة.

العليق عند الغارة 

ويؤكد الخبراء التربويون أن الدروس الخصوصية لا تفيد الطالب قبل الامتحانات بفترة بسيطة، كما يقول المثل “العليق عند الغارة لا ينفع”، مشيرين إلى أنها أصبحت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة، والمفهوم السائد عند الأهل أن الطريق للمجموع هو الدرس الخصوصي، خاصة وأن الامتحانات هي تحديد المستقبل بما فيها الجزء من الدرجة التي تحدث فرقاً نوعياً في تغيير مسار مستقبل الطالب. ومع هذا التخوف من الأهالي على مستقبل أبنائهم تظهر حالات القلق والتوتر وغيرهما من المشاعر المختلطة، إذ يصل لدى البعض لدرجة الهلع والانهيار للطالب وذويه ويصبح شيئاً يفوق الوصف بسبب “شبح الامتحانات”.

 تفعيل المرشد الاجتماعي 

الاختصاصية النفسية سلام قاسم دعت إلى تفعيل دور المرشد التربوي والنفسي في مساعدة الطلبة على كيفية الاستعداد للامتحان، والتخفيف من القلق الناجم عنه لما لذلك من أثر على أداء الطالب في الموقف الاختباري، وتوضيح الأضرار الناجمة من هذه السلوكيات الخاطئة من أجل الوصول إلى مستوى عالٍ من الأخلاق والسلوكيات الإيجابية، إضافة إلى إقامة الندوات التربوية التوعوية مع أهمية تطوير نظام التقويم التربوي للامتحانات، بحيث يرتكز على قواعد الاستنتاج واكتساب المهارات والابتعاد عن الحفظ وفق ما تنتهجه وزارة التربية والمناهج المطورة.

60 % استنتاجية 

وزارة التربية وعلى لسان المعنيين تؤكد على الأسئلة الامتحانية الاستنتاجية بنسبة تزيد عن 60% من أجل الوصول لامتحانات تعكس مفاهيم المناهج الجديدة، وترسم شخصية الطالب المتمكن بمهارات وفهم للمادة، ما يقلل حالات الاعتماد على الغش لتتلاشى هذه الثقافة عند بعض الطلاب، ما سيؤدي إلى مخرجات تربوية تكون جاهزة لمدخلات التعليم العالي وتحقيق التكامل بين الوزارتين.

ضبط الامتحانات 

وزارة التربية تحرص بالتعاون مع الجهات المعنية على ضبط العملية الامتحانية باتخاذ إجراءات رادعة وتطبيق الأنظمة والتعليمات الوزارية الضابطة للامتحانات، وذلك بالتشديد على المراقبة من خلال تشكيل غرفة عمليات لمتابعة “الشاردة والواردة” والرد على الاستفسارات والتساؤلات التي ترد حول أسئلة الامتحان ومعالجة الأمور الطارئة، مع الاتصال بغرفة المتابعة في الإدارة المركزية ومديريات التربية لمعالجة الإشكالات التي تعترضها وإبلاغها عن الحالات الطارئة فوراً، حسب تأكيدات مدير تربية دمشق سليمان يونس الذي كشف عن توزيع كاميرات المراقبة على أغلب المراكز الامتحانية لضبط العملية الامتحانية وإنصاف الطالب والمراقب في آن معاً في حال حدوث أي إشكالية بالقاعات الامتحانية.

مشكلة الغش وأساليبها 

ومع حالة الاستنفار العالية التي تشهدها وزارة التربية بكافة كوادرها يصعب ضبط مشكلة الغش في الامتحانات بالكامل، ولاسيما أن لها صوراً متعددة وأشكالاً متنوعة وأساليب يتبعها الطلبة كاستعمال قصاصات ورق صغيرة والنقل من الجدار والكتابة على المقعد، وحسب دراسة تربوية أعدّها مختصون على عدد معيّن من الطلبة كانت نسبة اتباع طرق الغش كالنقل من أوراق مكتوبة بخط صغير 30% و25% التحدث مع الزميل و15% النظر إلى ورقة الزميل و14% كتابة على المقعد و16% استخدام أجزاء الجسم للكتابة كاليد والرجلين.

وترى قاسم أن ظاهرة الغش في الامتحانات المدرسية سلوك انحرافي يخلّ بالعملية التعليمية ويهدم أحد أركانها الأساسية، وهو ركن التقويم والقياس، ما يضعف من فاعلية النظام التعليمي ككل ويعوقه عن تحقيق أهدافه التي يسعى إلى تحقيقها، مشيرة إلى أن نمط التنشئة الاجتماعية التي تعرّض لها الفرد طوال مراحل حياته يتحمل جزءاً من تفشي هذا السلوك، إضافة إلى إحساس الطالب بضعف قدراته العقلية وضعف مستوى تحصيله الدراسيه مع عدم الرغبة في الدراسة وغياب تحمل المسؤولية من قبل الطالب مع ضعف الاستعداد الكافي للامتحان.

تحقيق العدالة 

مدير تربية ريف دمشق ماهر فرج أكد أن وزارة التربية تسعى جاهدة لتحقيق العدالة بين الطلاب، من خلال اتخاذ أقسى العقوبات بحق المخالفين مع إجراءات حازمة لكل من يحاول التشويش على العملية الامتحانية مهما كانت صفته، وذلك بالتنسيق والتعاون مع الجهات المعنية والمختصة والمعنية لتطبيق التعليمات، وضبط العملية الامتحانية، مشدداً على منع اصطحاب الجوال من قبل الطلاب والمراقبين، إضافة إلى منع دخول أي شخص المراكز الامتحانية إلا للمندوبين والمكلفين بالمتابعة.

ولفت فرج إلى دور وتعاون المجتمع المحلي كونه شريكاً أساسياً في نجاح العملية التعليمية، وتخفيف التوتر عن أبنائهم وعنهم، ولاسيما أن التربية ستؤمن أجواء مريحة وهادئة خلال الامتحانات، إضافة إلى أنه تمّ توجيه المراقبين بأن يكونوا بمثابة أولياء أمور أثناء الامتحان والتعامل مع الطلاب بكل هدوء وطمأنينة، وتقديم امتحان بعيد عن الضغط أو التشويش.

تشويش وتوقعات

ومع اقتراب ساعة الصفر للامتحانات تنشغل صفحات التواصل الاجتماعي بنشر توقعات وأسئلة تحت مسمّى “المهم” كعملية ترويج لمدرّسين ومعاهد خاصة ليس لها هدف سوى التشويش على الطالب وتشتيت ذهنه.

مدير تربية دمشق نبّه للابتعاد عن تشويش “الفيس بوك” والتوقعات والملخصات التي تختصر المحتوى وتكون الإجابات ناقصة، ما يؤدي إلى عدم اكتمال الإجابة وهدر علامات للطالب، ولاسيما أن المطلوب هو المنهاج المقرّر في الكتاب، معتبراً أن الدرجة التي ينالها الطالب تعبير صادق عن الجهد والمتابعة والاستعداد الامتحاني على مدى العام الدراسي والمرحلة الدراسية كاملة.

الأهالي يُمتحنون 

وبالعودة إلى أجواء الامتحانات واستعداد الأهل قبل أبنائهم لتهيئة سبل الراحة النفسية والجسدية لهم، يذهب الأمر أبعد من ذلك، خاصة وأن هناك قسماً كبيراً من الأسر تحفظ المنهاج مع أبنائها من كثرة “التسميع” والمتابعة الدائمة والبحث عن المهمّ في المقررات، ليصل المشهد عند إحدى الأمهات إلى أن تحمل بين كفيها ملخص مادة تقرأ منه وابنتها تسير مع زميلاتها أمامها، وكأن الأم هي الذاهبة إلى الامتحان وابنتها ترافقها.

هذا المنظر يعيدنا بالذاكرة إلى سنوات ماضية قليلة، حيث تقدّمت الأم وابنتها معاً لامتحان الشهادة الثانوية ونجحت الأم، وعندما وجّه لها سؤال من الإعلام ما الدافع بعد هذا العمر الذي جعلها تتقدم للامتحان؟ أجابت وقتها “إن خوفها على ابنتها ومتابعتها بشكل يومي واطلاعها على المنهاج ومساعدتها في الحفظ أوصلها إلى امتلاك القدرة لتكون على مقاعد الامتحان وتحصل على الشهادة مع ابنتها”.

وإذا رغبنا دخول منازل الشهادات كما يقال سنجد قلق الأهالي يفوق الحدّ، إضافة إلى تفريغ أنفسهم وإلغاء كل وسائل الترفيه والتلفاز في سبيل تأمين أجواء مريحة لأبنائهم، مع قائمة من التوصيات الامتحانية التي يكرّرها الأهالي يومياً “لا تضيع الوقت، ادرس، تعب ساعة ولا كل ساعة، هانت،  شد الهمة، ركز.. وغيرها” من التعليمات المشددة.

فيتامينات امتحانية

ومن الأحاديث الطريفة التي وصلت لأسماعنا ما رواه طالب لزميله بأن والدته قبل خروجه من المنزل أعدّت له كأساً من عصير البرتقال لتقوية المناعة وتكسير بعض حبات الجوز من أجل تنشيط الذاكرة، مع دعواتها له بالتوفيق والنجاح.

وتقول إحدى الأمهات مازحة: إنها حفظت أدعية لم يخطر ببالها في الماضي أن تحفظها ولكن لأجل ابنها يهون المستحيل، وتابعت السيدة حديثها: إن هذا المشهد المكرّر في كل موسم امتحاني، جعلنا نترحم على أيام الماضي القريب، أيام كنا نتقدم للامتحانات بإمكانات متواضعة جداً وكان أهلنا على بساطتهم يؤمنون لنا احتياجاتنا بكل حب العالم، والنتيجة أطباء ومهندسون من إنتاج ذلك الزمن البسيط. فهل نعيد النظر بآلية الاهتمام والذي يصل حدّ الاختناق، والأهم التركيز على طرق الاختبارات الحديثة، التي تواكب التطورات التقنية بعيداً عن الحشو، وذلك رأفة بشبابنا الذين هم عماد المستقبل.

توتر شامل مؤقت

وتعتبر قاسم أن القلق الامتحاني حالة توتر شامل وحالة نفسية انفعالية مؤقتة يمرّ بها الطالب نتيجة توقع تهديد فعليّ أو رمزي قد يحدث؛ أو الخوف من الرسوب ومن ردود فعل الأهل، أو ضعف ثقته بنفسه ورغبته في التفوق على الآخرين. ويصاحبها أعراض نفسية وجسمية، مشيرة إلى أن القلق يكون ظاهرة سلبية، ولاسيما أن حالة الرهبة والخوف من الامتحانات تزداد عند الطلبة في حالات عدم الدراسة والتحضير للامتحان بشكل كافٍ، وعدم فهم المادة كلياً أو جزئياً، إضافة إلى التنافس مع أحد الزملاء، أو الأقارب، والرغبة في التفوق عليهم والخوف من ردّ فعل الأهل وخيبة أملهم وتهديدهم له بالعقاب أحياناً.

وأكدت قاسم أن الضغط النفسي الذي يسبّبه أولياء الطلبة لأبنائهم يكون له النصيب الأكبر من التوتر الامتحاني، وهذا يعود لأسباب تتعلق بالأهل ذاتهم كتوبيخ الطالب أو الضغط عليه بضرورة النجاح في الامتحان وإلا سيجازى أو يعاقب!.

5 آلاف مركز

يذكر أن عدد المتقدمين إلى امتحانات الشهادات العامة بفروعها كافة بلغ 587612 طالباً وطالبة، وذلك ضمن 5179 مركزاً امتحانياً في المحافظات.

كما بلغ عدد المتقدمين في شهادة التعليم الأساسي 321494 تلميذاً وتلميذة موزعين على 2718 مركزاً امتحانياً، و7757 تلميذاً وتلميذة موزعين على 94 مركزاً امتحانياً لشهادة الإعدادية الشرعية، و229509 طالب وطالبة /منهم 153339 في الفرع العلمي، و76170 في الفرع الأدبي/ موزعين على 1986 مركزاً امتحانياً للثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي، و1437 طالباً وطالبة موزعين على 35 مركزاً امتحانياً لشهادة الثانوية الشرعية، و27415 طالباً وطالبة للشهادة الثانوية المهنية (الصناعية والنسوية والتجارية) موزعين على 346 مركزاً امتحانياً.

علي حسون