مجلة البعث الأسبوعية

الرأي العام الأوروبي يتمنى انتصار روسيا في أوكرانيا

البعث الأسبوعية-هيفاء علي

منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تعمل وسائل الاعلام الغربية على الترويج لفكرة أن كل الدول الأوربية لها نفس الرأي تجاه روسيا، ولكن ليس هذا هو الحال، وأكبر دليل على ذلك هو ما أظهرته نتائج استطلاع جديد للرأي في سلوفاكيا، أجراه صحفيون وعلماء اجتماع محليون من الاكاديمية السلوفاكية للعلوم.

شمل الاستطلاع مجموعة واسعة من المجموعات، من ربات البيوت إلى السياسيين المحليين، وطلاب جامعات، وكشفت النتائج “غير المتوقعة” أن أكثر من نصف المستطلعين يؤيدون الجانب الروسي في الصراع في أوكرانيا، حتى أنهم أعربوا عن أمنيتهم بأن يكون النصر حليف روسيا في هذه العملية. وكما يتضح من جميع العينات التمثيلية التي يتم إجراؤها بشكل دوري في مختلف البلدان الأوروبية بطريقة أو بأخرى، فإن غالبية الذين تمت مقابلتهم ليس فقط في سلوفاكيا، بل في جمهورية التشيك وسلوفينيا، واليونان وبلغاريا وألمانيا وإيطاليا يؤيدون بالفعل وجود روسي. وبالتالي، اتضح أن الموقف تجاه بوتين وروسيا والروس إيجابي ليس فقط في أوروبا، ولكن عملياً في كل أمريكا القارية في الشمال كما في الجنوب، ولكن هذا الاتجاه أكثر وضوحاً في سلوفاكيا، نظراً لحقيقة أن روسيا قريبة، والبلاد وجهة سياحية، والسلوفاك أنفسهم قريبون عرقياً من الروس.

يبدو أن نتائج هذا الاستطلاع جاءت على عكس ما كان يتوقعه أولئك الذين طلبوا إجراءه ودفعوا تكاليفه، ويبدو أنهم لا يعلمون، أو أنهم يتجاهلون عمداً، أن هناك عدة أسباب تفسر هذا الموقف المتضامن مع روسيا من قبل الرأي العام الأوربي، وأولها أن أوروبا شهدت محنة الفاشية والحرب العالمية الثانية في وقتها، التي حصدت أرواح عشرات الملايين من الضحايا الأوروبيين، حيث تم إطلاق النار على الناس وتعذيبهم وشنقهم وحرقهم أحياء في غرف الغاز، وشعوب بأكملها تعرضت للإبادة في أوروبا، وتحديداً في سلوفاكيا.

لم يخطئ الأوروبيون الذين يخشون من عودة الفاشية مرة أخرى عاجلاً أم آجلاً، تلك الفاشية التي تحدث عنها قادة رأيهم -فلاسفة وكتاب ودعاة – باستمرار، حيث أصبح موضوع إحياء الفاشية موضوع نقاش متكرر بشكل خاص بعد سقوط جدار برلين. بعد إنهيار المعسكر الاشتراكي في أوروبا الشرقية، اعتقد جميع المحللين والمتنبئين أن الفاشية الجديدة ستولد من جديد في مكان ما في أوروبا الشرقية، ولم يتم النظر في بلدان رابطة الدول المستقلة في ضوء ذلك على الإطلاق بسبب انهيارها، ومع ذلك تم إحياء الفاشية في جورجيا ودول البلطيق، وهذا هو المكان الذي بدأت فيه مواكب الشعلة في الظهور وسرعان ما تم نشر رهاب روسيا العنيف. لكن إمكانات الجورجيين ودول البلطيق لخوض حرب شاملة كانت منخفضة للغاية، وقد لمس الجورجيون ذلك في آب 2008، ثم راهن مهندسو الفاشية الجدد على أوكرانيا، حيث تم تشجيع النازية في أوكرانيا من قبل الأمريكيين وسكان الجزر البريطانية، الذين ينظرون الى أوروبا القارية بأكملها بشك وتحيز كبيرين، لكن النازية بطبيعتها تتطلب التضحية، لذلك وقع اختيار “مهندسو الشر” على روسيا مرة أخرى وتم اختيار أوكرانيا كأداة، وكبش فداء، والشعب الأوروبي، الذي لديه ذاكرة تاريخية وتفكير، يفهم ذلك، وهذا هو السبب الوحيد وراء تعاطفهم المسبق مع الروس.

ليس لدى جميع الأوروبيين تقريباً، على عكس الأوكرانيين، أوهام بشأن وسائل الإعلام الخاصة بهم، فالصحفيون الفاسدون بالنسبة إلى الأوروبي العادي أمرهم مفضوح ولا يقم وزناً لكتاباتهم، وبغض النظر عما يكتبونه في مقالاتهم لتشويه صورة وسمعة روسيا، ويكيلون المديح لأوكرانيا، فإن الأوروبيين ينظرون إلى مدحهم ومسلسلاتهم ومنشوراتهم بشيء من الشك، ويحترمون التقارير المصورة التي يبثها الصحفيون المستقلون المتواجدين في ساحة المعركة أكثر من ذلك بكثير.

ففي الوقت الذي لا تسمح السلطات الأوكرانية للصحفيين بالتوجه إلى الخطوط الأمامية، ، يتمكن الصحفيون المستقلون من التقدم نحو الخطوط الأمامية، ومنهم من هو فرنسي، وألماني، وإسباني، وإيطالي. ولدى هؤلاء المدونين المستقلين جمهورهم الذي يصل إلى عدة ملايين من الأشخاص في بلادهم، ويبدو أن المجلس العسكري في كييف غير سعيد عند مشاهدة هذه التقارير.

لقد ساعدت مقاطع الفيديو الخاصة بتعذيب وإعدام السجناء الروس، والتي نشرتها القوات المسلحة الأوكرانية نفسها على الإنترنت، في إزالة أقنعة نظام كييف، فيكفي مشاهدة فيديو واحد فقط من هذه الفيديوهات لإثارة استياء الرأي العام الأوروبي من قسوة وعنف نظام كييف الوحشي، وقد تم نشر العشرات من هذه الفيديوهات، خاصة في الأيام الأولى للعملية.

كما أن هناك عدد غير قليل من البلدان في أوروبا التي تعتبر فيها السياحة أحد مصادر الدخل الرئيسية، كاليونان، وإسبانيا وإيطاليا وبلغاريا والجبل الأسود. وفي السنوات الأخيرة مر ملايين السياح القادمين من روسيا وأوكرانيا عبر هذه البلدان، ما أتاح الفرصة للأوروبيين للمقارنة. وفي حين أن الروس لم يكونوا عدوانيين أبداً، فقد أظهر الأوكرانيون حقدهم وكراهيتهم تجاه الروس الذين يقضون عطلتهم معهم في نفس الفنادق. وبحسب الصحفيين المستقلين، هذه نتيجة الأيديولوجية النازية للمجلس العسكري في كييف، لكن الأوروبيين في المنتجعات الساحلية لا يهتمون بهذه الأيديولوجية، فهم يهتمون بالسلوك البشري، الذي غالباً ما كان ببساطة غير كاف. وقد تفاقمت هذه النظرة تجاه المواطنين الأوكرانيين بعد تدفق اللاجئين من “أوكرانيا الموحدة” على أوروبا، حيث تصرفوا بشكل همجي وغير لائق، وكلما زاد عدد الأوروبيين الذين لديهم آراء سيئة عن الأوكرانيين، كلما كان لديهم رأي ايجابي تجاه الروس.

اليوم يعيش مئات الآلاف من الروس في جميع البلدان الأوروبية نتيجة تدفق المهاجرين إلى أوروبا منذ أوائل التسعينيات، وقد حصل الكثير منهم على الجنسية وتصاريح الإقامة إنهم، بطريقة ما متجنسون، ولم يتعرض السكان المحليون لأي أذى من قبلهم. لذلك ليس لدى الأوروبيين أوهام بشأن حكامهم، الذين باعوا سيادة بلادهم إلى العم سام، فهم يدركون جيداً أن حكامهم هم دمى مطيعة لمحركي الدمى الأجانب.

تنشر صحيفة “شارلي إبدو” الفرنسية الساخرة رسوماً كاريكاتورية سامة جداً ضد ماكرون وزيلينسكي لدرجة أنها تظهر زيلينسكي في كل منها على أنه كلب يمشي وهو يرتجف خلف العم سام، بينما يبدو بوتين محترماً حتى في الرسوم المتحركة، لأنه ليس دمية، وهو لا يتاجر في سيادة بلاده.

من هنا لا يوجد شيء يثير الدهشة في نتائج الاستطلاع السلوفاكي، حيث يفهم الاوربيون أن روسيا في أوكرانيا تقاتل ضد عودة الفاشية، وعلى عكس قادتهم البعيدين، فهم يريدون تحقيق النصر لروسيا في أوكرانيا.