مجلة البعث الأسبوعية

بيوت متصدعة دون جدران حماية!! الانفجار المعلوماتي والظروف الصعبة تضع هيبة الآباء والمعلمين على المحك!

البعث الأسبوعية – غسان فطوم

لم يعد مستغرباً أن نسمع ونقرأ عن حوادث مؤسفة أبطالها شباب يضربون آباءهم ويرمون بهم على قارعة الطريق أو يجبرونهم على العيش في بيوت العجزة والمسنين، أما عن عصيان أوامرهم وقلة احترامهم معلميهم ، فحدث ولا حرج!

لا شك أن الظروف الاقتصادية الصعبة لعبت دوراً في ذلك، كون تأمين لقمة العيش أخذ الحصة الأكبر من وقت الآباء، فقلّت الجلسات بين الآباء والأبناء الذين يحتاجون النصح والإرشاد وخاصة في سن المراهقة.

وما زاد الطين بلة هو تطور تطبيقات الهواتف الذكية والانترنت ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي جعلت البيوت بلا جدران حماية، وكأنها من زجاج قابلة للكسر في أية وقت، وذلك ليس بغريب، فمواقع التواصل الاجتماعي التي يرى البعض أنها لا تحمل من اسمها نصيب، حوّلت البيت الواحد إلى جزر عديدة متباعدة، حيث بات كل واحد من أفراد الأسرة منكباً يتابع “ما هبّ ودبّ” من مقاطع (التوك توك والواتس أب والفيسبوك”، وغيرها من المقاطع المسيئة غير مبالٍ بما يجري من حوله داخل بيته!.

شباب متمردون

أخطر ما في سلبيات تطبيقات الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها أنها جعلت الأبناء متمردون، غير مبالين بالعادات الجميلة والقيم النبيلة التي تربى عليها مجتمعنا، ويصل الأمر إلى الاغتراب عن آبائهم وتحديهم، بل إلى درجة سقوط هيبة الأب القوي في عيونهم، وهذا ما يؤكده خبراء علم الاجتماع الذين يرون أنّ التطور التكنولوجي المذهل وطغيان منصات التواصل الاجتماعي التي تعمل دون رقابة قطعت الشعرة بين الآباء وأبناءهم، فسلوكياتهم شذت وأفكارهم تلوثت، ولم يعد يعنيهم الجو الدافئ بين أفراد الأسرة كما كان أيام زمان عندما كانوا يتسمرون لمشاهدة مسلسل السهرة على الشاشة الفضية ويتفاعلون معه ويتحدثون بأحداثه طوال النهار!.

قدوة غير صالحة

تؤكد المرشدة الاجتماعية والمدّرسة إيلانا سلمان أن الفضاء الأزرق وما يحمله من مخاطر، أفسح مجالاً للمراهقين وقوّى رغبتهم في محاولة لإثبات ذاتهم والخروج من جلباب العادات والتقاليد التي يرونها أنها بالية، مشيرة إلى أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل وصل إلى درجة العصيان عند بعض الأبناء، فلم يعد يتلقون كلام أو نصائح آبائهم بمزيد من التعظيم والوقار، ولا تنفي السيدة “سلمان” أن الآباء قد يكون لهم دوراً في الوصول إلى هذه الحالة عندما يتخلون عن أدوارهم وينخرطون هم أنفسهم بعالم السوشيال ميديا متناسين أبناءهم وما يحتاجونه من رعاية واهتمام، بمعنى أن الأب تخلّى عن إدارة شؤون الأسرة، علماً أن حالته المادية ليست سيئاة ولا عذر له في الابتعاد عن أسرته، وفي هذه الحال تبدأ العلاقة الأسرية تتلاشى بين أفراد العائلة عندما يرون أن مثلهم الأعلى غير مهتم بهم بينما يقضي أغلب وقته يتصفح مواقع التواصل!.

من غير جلد!

في الجزئية الأخيرة من الكلام السابق التي تتعلق بإهمال الأب لأولاده قال المعلم المتقاعد نذير حميدان (أب لأربعة شباب): من غير المنطق أن نجلد الآباء في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة، مشيراً إلى وجود آباء لا يرون أبناءهم، بسبب عملهم منذ ساعات الصباح الأولى حتى ساعة متأخرة، ويؤكد السيد حميدان أن الأبناء يجب أن يكون سنداً لآبائهم من خلال تقدير تعبهم الذي هو من  أجلهم، مبدياً أسفه أن غالبية الأبناء يستغلون غياب آبائهم ويشذون مع رفاق السوء ويتمردون على آبائهم، بحجة أنهم صاروا قادرين على تحمل مسؤولياتهم، وبرأي المعلم حميدان أن التكنولوجيا الحديثة ليست وحدها المسؤولة عن الشرخ بين الآباء والأبناء، وإنما سوء التربية، وغياب دور المنظمات والمدرسة، وحتى الجامعات عن توعية هذا الجيل التائه الذي وجد نفسه من دون أمل بالعمل حتى لو تخرج في الجامعة!.

رأي آخر

برأي رجال الدين أن تقصير أحد الأبوين في واجباته تجاه الأبناء، وخاصة الأب قد يُضعف من هيبته بعيون آبائه، مؤكدين على أهمية أن يكون الأب كريماً على أبنائه قائداً في بيته من خلال مصارحة أسرته بأحواله المادية، وعدم التهاون في التربية والسماح للأبناء باستخدام الهواتف الذكية ومواقع الانترنت دون رقابة، ودعا رجال الدين المرأة لأن تكون داعماً لزوجها الذي يمثل عمود البيت، فعندما يتعود الأبناء على إطاعة أوامر أبيهم التي هي في صالحهم هم بلا شك لا مشكلة عندهم في المستقبل في التقيد بالنظام واحترام القانون.

مسؤولية الدراما!

ولم تبرئ الباحثة الاجتماعية بشرى ديوب المسلسلات الدرامية من التحريض على عقوق الوالدين، متهمة إياها بإسقاط هيبة الآباء عندما تصور معاملة الأبناء لآبائهم كأي شخص آخر لا يمت لهم بصلة، بل قد نجد مشاهد يتجرأ فيها الأبناء على الآباء وقد تصل لحد الشتم والضرب، عدا عن الجحود ونكران جميل الآباء حالما يصبح الشباب قادرين على خدمة أنفسهم.

ولم تخفِ السيدة بشرى وجود خلل في تربية الأبناء هذه الأيام، فجيل اليوم المغرم بعالم الانترنت بات لا يحسب أي حساب لاحترام الآخرين بما فيهم الأب والأم، وذكرت أن الكير من الآباء والأمهات يشكون لها مدى معاناتهم مع أبنائهم الجاحدين!.

الأب الثاني

فقدان هيبة الأب ليست محصورة ضمن جدران البيوت المتصدعة، بل وصلت إلى المدرسة، ليشكو المعلم (الأب الثاني) من قلة تأثيره ونفوذه على التلاميذ داخل القاعة، لدرجة أن البعض من التلاميذ يتجرؤون على شتم المعلم أمام رفاقهم وفي بعض المدارس الثانوية هناك من يحاول الاعتداء على المدرسين غير آبهٍ بالعقوبة، ولا يخفى على أحد أن حالات الاعتداء على المعلمين والمدرسين كثرت في الآونة الأخيرة!.

أحد المعلمين علق على ذلك بالقول: منذ أن منع  العقاب و الضرب في المدارس، أصبح المعلم لا حول ولا قوة، أمام جيل من التلاميذ والطلبة يتعلم من الانترنت عادات سيئة تجعل احترامه لمعلمه آخر همّه، مبدياً أسفه من سلوك بعض أولياء الأمور الذين يساعدون أبناءهم على ذلك ويقللون من احترام المعلم، متسائلاً: على أي مخرجات تعليمية سنراهن في ظل هذا الجو من الفوضى غير المضبوطة؟!.

موجه تربوي لم ينكر أن المعلم يتعرض بعض الأحيان للإهانة داخل الصف، وبرأيه أن المعلم في هذا الموقف قد يتحمل جزءاً من المسؤولية عندما يكون ضعيف الشخصية وعاجز عن فرض سلطته على طلابه، مطالباً بتكثيف الدورات التي تعيد تأهيل المعلمين لجهة كيفية الظهور أمام طلابه وطرق ضبطهم وجعلهم يحبونه ويحترمونه، فالطالب الذي يُحب معلمه ينتظر بفارغ الصبر حصته الدرسية.

وفي حديث مع أكثر من معلم ومن خلال تجاربهم أكدوا بدورهم أن أحد
أهم الأسباب في تهور العلاقة بين المعلم وطلابه هو التطور المعلوماتي المذهل والمخيف وتطور صناعة الجوالات والأجهزة الذكية التي يستخدمها التلاميذ دون رقابة من أهلهم.

تعاون الجميع

بالمختصر، إن استعادة هيبة ومكانة الأب في الأسرة والمعلم في المدرسة تحتاج لجهود كبيرة تشارك فيها الأسرة أولاً والمنظمات (طلائع وشبيبة وطلبة) وأيضاً المدارس ثانياً، وكل المؤسسات التربوية بإشراف من وزارة التربية ومديرياتها في المحافظات، ولا يمكن هنا أن ننسى دور الإعلام الذي نراه بعيداً عن حل هذه المشكلة أو التوعية بشأنها بالرغم من وجود برامج اجتماعية عديدة إلا أنها للأسف تلامس بخجل الكثير من المواضيع الاجتماعية والتربوية الهامة التي باتت تشكل ظاهرة واضحة العيان فرضتها سنوات الحرب، بما فيها موضوع أو مشاكل الطلبة مع أساتذتهم.